أحمد يوسف ضميري: إبحار في كتاب “صيّاد .. سمكة وصنّارة”

أحمد يوسف ضميري

إبحار في كتاب “صيّاد .. سمكة وصنّارة”

من الرائع أن يشارك المرء تجربته مع آخرين يشاركونه الشغف وحب القراءة والاهتمام بالهوايات نفسها. وهذا ما فعله الكاتب فؤاد نقّارة، الذي شاركنا تجربته عن عالم البحار في كتابه (صيّاد.. سمكة وصنّارة). ومن منا لا يعرف المحامي البارع، والقارئ المطلع، ورئيس نادي حيفا الثقافي العريق بأصالته وإبداعه الثقافي على مستوى الوطن؟

لقد فاجئنا الأستاذ فؤاد بكتابه (صيّاد.. سمكة وصنّارة) الذي يتحدث عن إحدى هواياته المفضلة التي تعلمها من والده، ألا وهي هواية (الصيد). صحيح أني تلمست محبته لهواية الصيد عندما رافقته في بعض جولاته التي يبدأها بترتيب الصنارة ثم وضع كرسيه على الشاطئ موجهاً صنارته تجاه البحر؛ ليصطاد به السمك، ولا أنسى حرصه على تعليمي الصيد حيناً، وحيناً نتبادل الحديث، وقد يأخذني النعاس وتارة النوم وأنا جالس على كرسي بشاطئ بحر حيفا مستقبلاً ذلك النسيم الذي يغمرني بحضنه كأم تعانق طفلها. لكنني لم أعتقد بل ولم أتخيل أنها أهم هواياته حتى أصدر كتابه الأول عنها؛ لعلمي باهتمامه الشديد في مجال الثقافة والقراءة على مستوى الوطن، فهو صياد المواهب الثقافية والفنية والإبداعية بصنارة نادي حيفا الثقافي التي تبرز مواهبهم وتثري الثقافة الفلسطينية بمدعوم ثقافتهم.

ومع ذلك، فالكتاب مقسم لثلاثة أقسام بارزة جامعة لمواهب الأستاذ فؤاد، وهي: الرواية والصيد وجمع الطوابع، ففي القسم الأول نقرأ (حكايات من شاطئ الصيّد)، وهي: قصص شخصية قصيرة وعددها ثمان قصص حدثت معه، فيها الكثير من العبر أهمها: أن قوانين الطبيعة لا تحابي أحداً، وأن الطبيعة متمثلة بالبحر ورياحه وأمواجه أقوى من الانسان مهما على شأنه، وأن الدنيا ممثلاً بالصيد إن تقاتل الناس عليه أضاعوا الحياة المتمثلة بالسفينة، فرحلة الصيد الناجحة لابد لها من تعاون وتآلف جميع الصيادين ورمي خلافاتهم من القارب وإلا غرقوا جميعا… وهذا ما ينقصنا في وطننا!!

ثم القسم الثاني المتمثلة بهواية الصيد، فكتب تجربته وخبرته وأهم ما لديه من معرفة ومعلومات في الأسماك وأحياء البحر الأبيض المتوسط كالرخويات والقشريات والسرطانات البحرية حتى الصدف ذكرها. حيث كتب عما يزيد عن الخمسين سمكة بأنواعها إضافة إلى عشرين نوعاً من الأحياء البحرية، فكان مثلاً يضع اسم السمكة ثم صورة ملونة عنها ويصفها ويعدد أسماءها الأخرى، ثم يذكر موطنها الأصلي والمناطق الموجودة فيها، ويشير إن كان لها أنواع أخرى وأحياناً يكتفي بذكر عدد أنواعها إن كان لها أنواعاً كثيرة، كما بيّن العمق الذي يتواجد فيه السمك أو الكائن البحري، مع ذكر نشاطه أكان في الليل أو النهار، في الصيف أو الشتاء، وطعامه المفضل مع طريقة اصطياده.

فهناك أسماك أشار إليها الكتاب في كتابه أنها ابنة المنطقة (أي: ابنة شاطئ حيفا وعكا خصوصاً وفلسطين عموماً) كالبوري بأنواعها: الشيلان، والسمومن، والطوبارة. ومن السمك المتواجد بكثرة على شواطئنا: سمكة غَبَس، وأيضاً: سمكة الأجّاج أو ما تعرف بالدنيس، فقال عنها: “لقد تمكنت من اصطياد 70 سمكة دنيس في يوم واحد، بوزن 500 جرام”. ومن السمك المتواجد على سواحل فلسطين، سمكة مسقار، والتي تسمى: بالجروش، أو الكربال، وتنتشر تحديداً على السواحل الرملية. وسمك الحاسوم أو معكرونة فهو ينتشر على سواحل حيفا وعكا، إضافة إلى سمك المنورن.

وهناك سمك قد يتواجد على شواطئ فلسطين كضيف لكنه ليس بابنه: كالشّرّ، فهو ابن منطقة المغرب المطلة على المتوسط والمحيط الأطلسي. وأيضاً سلطعون العنكبوت وهو من السرطانات البحرية النادرة في بلادنا والمتواجدة في سواحل اليابان والصين.

لكن الخطير في الأمر تلك الأسماك التي أشار إليها الكاتب ببدء انقراضها من سواحل فلسطين، مثل: ببغاء البحر، والإسقمري. أما المهددة بالانقراض: فالمرمور؛ بسبب الصيد الجائر والتلوث البيئيئ والتغيرات المناخية. حتى الكائنات البحرية الأخرى –غير السمك- مثل: قنفذ البحر أو الدغيميسة، قل وجوده على شاطئ حيفا ويافا ولم يعد كالسابق. وأيضاً سلحفاة الترسي التي باتت مهددة بالانقراض ومحظور قتلها أو صيدها.

تطرق الكاتب أيضاً في كتابه إلى بعض العادات والتقاليد في التعامل مع السمك، فمثلاً: سمكة طبيبة البحر (سمكة أبو نوح) يقال عنها: “إذا بوكل أبو نوح خليك لا تلوح” أي: إذا وجدت هذه السمكة تؤكل في مكان، فلا تترك المكان؛ لأن فيه أسماك أخرى. و(سمكة الشَبح) يفضلها أهل العراق، وسمكة (فريدن) يتداولها الفلسطينيون مطهياً ضمن أكلة الصّياديّة، أما (سلطعون البحر) فيقدم في فلسطين مشوياً أو مقلياً أو في طبق شوربة لكن في مصر يقدمونه في شطائر خاصة محشوة بلحمه السندويشات…

ومما أثارني في الكتاب، بعض المعلومات العلمية عن بعض الأسماك: كسمكة غَبَس التي تبدأ حياتها كذكر ثم تتحول إلى أنثى مع تقدمها في السن. أو القرش الذي لا يقوم بسلوك التزاوج إلا مرة واحدة في حياته. أو كائنات بحرية أخرى يزيد عمرها عن مئة مليون سنة مثل: قنفذ البحر. وستتعجب من أنثى الأخطبوط التي تضع 80 ألف بيضة تحضنها لمدة 3 أشهر وربما تأكل زوجها إن جاعت – وللعلم موجود منها في تل السمك بحيفا-. ولم ينس الكاتب الأسماك السامة ذات سم قاتل من التنبيه عليها، وهم: سمكة أبو نفخة، وبروقلي، والحنكليز، موضحاً أن الأخير سام وليس بقاتل للإنسان. ومن الكائنات البحرية السامة: قنديل البحر. كما أشار الكاتب عندما كتب عن السمك المفترس بالإشارة على افتراسه: كالإنتياس، والإربة، وبلمود، والترلس، والإسقمري. وجميل مثل هذه التنبيهات والإشارات للعامة والغير متخصصين في عالم البحار فضلاً عن غيرهم.

ثم اختتم الكاتب هذا الكتاب بالقسم الثالث وهي: صور الطوابع البريدية التي تحمل صور الكائنات البحرية، فمنها ما يحمل صورة سمكة، ومنها ما يحمل صورة صدفة، ومنها كائنات بحرية أخرى. وهذه الطوابع ملونة وواضحة في الكتاب، وهي طوابع استخدمتها الدول التالية: اليمن ولبنان والأردن والكويت وليبيا وجيبوتي وقطر ومصر وسوريا وعُمان ودولة الإمارات مع إماراتها. وهي قديمة لدرجة أني أنا الذي ولدت وترعرعت في دولة الإمارات صدمت من قدمها، وكنت أشاهدها لأول مرة في هذا الكتاب.

كتاب ملون جميل، فيه معلومات قيمة صيغت بأسلوب سهل، دون تعقيد البحث العلمي، أو صعوبة الألفاظ وتعقبد التراكيب، وفيه توثيق للحياة البحرية على شواطئ فلسطين أو على شواطئ شمالها على الأقل، مع إرشادات لمن أراد الصيد.

توثيق لصياد وضع خبرته وخبرة أباءه وأجداده وأصدقائه فيه؛ ليخرج لنا بإطار سردي جميل عن عالم كلما غصنا فيه أدركنا ضخامة جهلنا فيه أكثر وأكثر.

 

 

 

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

د. خالد تركي: نافِذَتي تُطلُّ على مجموعةٍ قصصيَّةٍ “عند منتصف الليل”

د. خالد تركي  نافِذَتي تُطلُّ على مجموعةٍ قصصيَّةٍ “عند منتصف الليل” “عِندَ منتصَفِ الليلِ” هي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *