محمود شقير
عن كتاب المحامي فؤاد مفيد نقارة: صيّاد..سمكة وصنّارة
1
أعادني كتاب الأستاذ المحامي فؤاد مفيد نقّارة: صياد..سمكة وصنّارة إلى تذكّر الأديب الفلسطيني إميل حبيبي الذي كان يمارس صيد الأسماك في بحر حيفا على ظهر مركب اقتناه خصّيصًا لهذه الغاية، وإلى تذكّر رواية آرنست هيمنغواي “الشيخ والبحر”، عن الصياد العجوز الذي اصطاد سمكة كبيرة، لم يصل منها إلى شاطئ البحر إلا هيكلها العظمي، بعد أن نهشت لحمَها أسماكُ القرش، وإلى تذكّر رواية هرمان ميلفل “موبي ديك” عن صراع الحوت في عرض البحر مع الإنسان.
وكنت قبل سبع سنوات زرت المتحف الفلسطيني في بير زيت، لمشاهدة المعرض الذي نظّمته الدكتورة عادلة العايدي مديرة المتحف ومن معها من عاملين وعاملات، تحت عنوان “بلدٌ وَحَدُّه البحر” عن تأثير البحر على الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في فلسطين، حيث الأغاني والأشعار ومختلف النتاجات الفنية والأدبية، والطقوس والعادات المتأثرة بالبحر وبالعلاقة المتشابكة معه، وأدركت يومها كم هو مهم هذا المعرض الذي يولي اهتمامًا بالبحر وتأثيراته الإيجابية على حياة حيفا وعكا ويافا، وعلى حياة الساحل الفلسطيني بشكل عام.
2
كتاب الأستاذ فؤاد مفيد نقارة يصب في المنحى ذاته الذي يؤكد على أن حيفا وعكا هما كما جاء في الكتاب مدينتان بحريّتان، تنعمان بعطايا البحر وينعم البحر بمجاورتهما له. والأستاذ فؤاد ابن حيفا، الذي تعلّم هواية الصيد من والده، يواصل هذه الهواية ويعرض في كتابه صورًا مع معلومات كافية عن 70 صنفًا من الحيوانات البحرية منها 51 صنفًا من الأسماك، و19 صنفًا من حيوانا بحرية أخرى.
والكتاب الذي أشرفت على تحريره الأديبة صباح بشير وكتبت تظهيرًا مناسبًا له، وبإخراج فني من سمير حنون، أصدرته دار الشامل للنشر والتوزيع/ نابلس 2025 ، وجاء في 200 صفحة من القطع الكبير، وهو من الكتب التي يمكن الرجوع إليها غير مرّة لتكريس معرفةٍ تكريس معرفةٍ أوفى بالأسماك والحيوانات البحرية الأخرى الموصوفة في الكتاب.
3
يهدي المؤلف كتابه هذا بالقول: “إلى والدي الحبيب معلّمي الأوّل وصاحب الفضل عليّ، كما أهديه إلى كل عشّاق البحر، وإلى كل من وجد فيه رحلة لاكتشاف الذات ولوحة من الجمال الإلهي”.
وعلى الصفحة التالية بطاقة شكر “إلى الأستاذة الفاضلة صباح بشير، التي أسهمت بجهودها المخلصة في الإشراف على هذا الكتاب وإخراجه إلى النور”. وإلى “صديقي العزيز منذر قرمان (…) على دعمه المادي والمعنوي الذي كان له الأثر الكبير في إنجاز هذا الكتاب”.
بعد ذلك نقرأ مقدمة المؤلف الوافية التي يبسط فيها حلمه بتحويل شغفه بالبحر إلى كلمات، وهو “عاشق للكلمة”، وهو معني بأن يقرّب القراء “من عالم البحر الساحر”، ويقرّ مرة أخرى بفضل أبيه عليه، حيث كانت رحلات الصيد البحرية “دروسًا في الحياة” تمثلت في احترامه “للطبيعة وحبها” وفي تعزيز “روح التعاون والمشاركة” لديه، وفي تعليمه “قيم الصبر والمثابرة، فالبحر لا يكشف أسراره بسهولة”.
بعد ذلك يصف بعض الرحلات البحرية ويقدم للقراء استخلاصات نافعة من جرّاء التجارب المشخّصة، مؤكدًا على التعاون وضرورة الابتعاد عن الأنانية وعن الغرور والمبالغة والاستهتار والإهمال.
4
تزيّن صفحاتِ الكتاب صورٌ ملونة للأسماك الموصوفة فيه، ويدلّل الشرح الخاص بكل سمكة على معرفة المؤلف بخصائص الأسماك التي يصفها بدقة، ويشير إلى تلك التي صادها بنفسه، ويتحدث عن بعض وقائع خاصة بعلاقته مع تلك الأسماك، بأوزانها وأطوالها وبمذاقها بعد الطبخ، وما إلى ذلك من ابتعاد عن جفاف المعلومات، واقتراب من العلاقة الحميمة التي تجعل القارئ مشاركًا في استيعاب النص، وفي الرغبة في متابعة التعرّف إلى أسرار البحر، وإلى تأمل الجمال الذي تنطوي عليه كائناته، حتى وإن كان بعضها مفترسًا لبني جنسه، وبعضها الآخر مفترسًا للبشر.
5
مجمل القول، فإن هذا الكتاب يضيف إلى علاقة الفلسطينيين بالبحر أفقًا جديدًا، ويوسّع الفضاء الذي تشغله الثقافة الفلسطينية، بحيث ترتقي مكانة فلسطين بثقافتها الإنسانية المتنوّعة، وتتأكّد على نحو واضح حقيقتها الحضارية العصية على المحو أو التجاهل أو الطمس أو الإلغاء.