لبابة صبري: كتاب “صيّاد.. سمكة وصنارة”

قراءة كتاب “صيّاد.. سمكة وصنارة” للكاتب فؤاد مفيد نقارة

لبابة صبري

يُوثّق الكتاب تجربة ذاتية فريدة تبحر في عمق العلاقة بين الإنسان والبحر، مستعرضًا تلك العلاقة المتأصلة بين الصياد والبحر. يتناول نقارة تعقيدات هذه العلاقة بلغة غنية تحتضن عمق التجربة الإنسانية المرتبطة بالبيئة البحرية. كما يستخدم خبرته المتراكمة على مر السنين في الصيد لتقديم منظور شخصي لكل نوع من أنواع الأسماك التي تعرّف عليها،  ويُبرز جمال البحر وسحره من خلال وصف دقيق ومفعم بالحيوية، مما يثير لدى القارئ شعورًا بالدهشة والانبهار. كما يعكس تأثّره العميق بوالده الذي زوّده بفنون الصيد وأسرار البحر في مدينة عكا الساحلية.

يُضيف الكتاب بُعدًا ثقافيًا وتراثيًا غنيًّا بالتعبير الشخصي عن تجربة اجتماعية حية، وتُضفي اللغة المُستَخدمة طابعًا شاعريًا على النص، حيث يصف الكاتب الأسماك وطريقة صيدها بصور لغوية دقيقة ومفصلة تعكس ارتباط الإنسان بالطبيعة واستمداد الأدب من الذاكرة الجماعية البحرية.

يوضّح الكتاب كيف يُمثل الصيد جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي لأهالي المناطق الساحلية مثل عكا؛ وكيف أنّه وسيلة لنقل القيم والمعارف من جيل إلى جيل. كما يُعتبر توثيقًا لموروث تقليدي يواجه اندثارًا بسبب التحديث والابتعاد عن الحياة الطبيعية التقليدية. ويُبرز أهمية العائلة كمصدر لتوريث المهارات والمعارف، حيث يُظهر تأثير الوالد النموذجي في تشكيل هوية ابنه المهنية والشخصية.

تخلق تجربة الكاتب الذاتية جسرًا يصل بين القارئ والعالم الطبيعي؛ حيث يستشعر كل قارئ أثر القصص المحكية على خلفيته الثقافية والعلاقة بالبيئة والطبيعة. وقد استطاع الكتاب مخاطبة الإنسان بمختلف مستوياته الثقافية والاجتماعية، مقدمًا صورة حية عن الطبيعة البشرية وعلاقتها ببيئتها ووسائل عيشها التقليدية.

يتحول الكتاب بعد ذلك إلى تأملات في جولة أخرى ولكن من منظور مختلف، وهو عالم الطوابع البريدية. يتناول نقارة الطوابع التي تحمل صورًا لأسماك وثّقت وأنتجت من قبل دول عديدة، مما يعكس اهتمام هذه الدول بالحياة البحرية. يعتبر هذا الجزء من الكتاب مدخلاً مهمًا لفهم العلاقة بين الثقافة البحرية والهوية الثقافية والاجتماعية لهذه البلدان. كما يعكس الكتاب التنوّع الثقافي والجغرافي للأسماك ووسائل توثيقها من خلال الطوابع، مما يُبرز الأنماط الثقافية والاجتماعية للدول.

يعتمد الكاتب على أسلوب سردي يجمع بين النثر الأدبي والوصف التفصيلي، مما يساهم في خلق صور حية تتجلى أمام القارئ كلوحات فنية. يمتلك نقارة قدرة مذهلة على تصوير البحر وكأنه كائن حي يتفاعل مع البشر، مما يعكس فهمه العميق للبحر. استخدام الكاتب للغة المجاز والاستعارة يضيف بُعدًا جماليًا للنص، ويمنح القارئ الفرصة للتعمق في التجربة الحسية للصيد.

على المستوى الاجتماعي، يعبّر الكاتب عن رؤية فلسفية حول العلاقة بين الإنسان والطبيعة. يُبرز نقارة القيم الثقافية والاجتماعية التي تتجلى في مجتمع الصيادين، مشيرًا إلى أن الصيد هو جزء من الهوية والحياة اليومية. يُظهر الكتاب كيف يمكن للإنسان أن يجد الراحة والطمأنينة في الطبيعة، حتى في أوقات المعاناة والصعوبة، ويشير أيضًا إلى موضوعات مثل التواضع والتعلم المستمر من الطبيعة؛ حيث أن الصيادين يعلمون أن البحر دائم التغير وغير قابل للتنبؤ، مما يتطلب منهم الصبر والحكمة.

الخلاصة:

يُعتبر كتاب “صيّاد.. سمكة وصنارة” للكاتب فؤاد مفيد نقّارة استكشافًا أدبيًا غارقًا في الجمال الطبيعي، يجمع بين التحليل الشخصي والعمق الثقافي لفهم العلاقة بين الإنسان والبيئة/ الطبيعة من منظور اجتماعي وفلسفي، ويجمع الكتاب بين الأسلوب القصصي الجذاب والمعلومات العلمية والاجتماعية العميقة من خلال دمجه بين الحياة البحرية وعالم جمع الطوابع.

نبارك للأستاذ فؤاد نقارة على هذا العمل العظيم مع تمنياتنا له بمزيد من النجاحات والإبداع في مسيرته الأدبية.

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

صباح بشير: الفكر النّسويّ عند ماجد الغرباوي، قراءة في كتاب جديد

صباح بشير الفكر النّسويّ عند ماجد الغرباوي، قراءة في كتاب جديد     في رحاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *