سلمى جبران: تطوّر الفن الروائي والقصصي عند حنان الشيخ”، دراسة د. رباب سرحان

 

سلمى جبران

قراءة في: “تطوّر الفن الروائي والقصصي عند حنان الشيخ”

دراسة د. رباب سرحان

تتناول هذه الدراسة الجادّة والشاملة أديبة لبنانيّة رائدة: حنان الشيخ. بدأت الدراسة بلمحة عن تطوّر الفن القصصي في لبنان منذ مدرسة المهجر: جبران ونعيمة وتأثُّرهم بالغرب وانعكاس ذلك على الأدب اللبناني في بداية القرن العشرين. واستعرضت كذلك نتاج كتاب ثلاثينات القرن مثل توفيق عوّاد وخليل تقيّ الدين وامتدّت حتّى نهاية القرن العشرين: مارون عبّود وسهيل إدريس وليلى بعلبكي وغادة السمّان وكوليت خوري والياس خوري وغيرهم.

الأمثلة والتحليل في نتاج هذه الحقبة تُغني البحث كمرجع وتُظهر مدى الجهد الذي بذلتْه د. رباب لإضاءة عالم الأدب فيها طولًا وعرضًا وعُمقًا، ممّا يأتي بالكثير من الفائدة على كلّ قارئ مهتمّ بالأدب.

في كل هذه الطروحات توجد صورة متكاملة عن الأديبات والأدباء وأمثلة من نتاجهم، أمثلة كانت كافية للقارئ لكي يدرك كنه أدبهم ويطّلع على التحدّيات التي واجهها والمواضيع التي طرحها. ويتّسم تحليل نتاجهم بالموضوعيّة والبعد الإنساني الاجتماعي الذي كان سياقًا ومنبعًا لهذا الأدب.

“الظروفٍ القاسية في الحرب الأهليّة اللبنانيّة مكّنت المرأة الكاتبة ولأوّل مرّة من تكسير وتحطيم وجهة النظر السائدة حول الجنس (Gender) والقوّة، إذ دفعت هذه الحرب المرأة الكاتبة إلى رؤية الفرضيّات الأيديولوجيّة الموضوعة على المحكّ، والنزاعات السياسيّة القائمة والخلافات العقائديّة المشتعلة، كوجه من أوجه المجتمع البطريركي وربط هذه الأمور جميعًا مع تحرّر المرأة وحقيقة أنّ إدراك الهويّة القوميّة هو أمر متزامن ومنسجم مع قضيّة التحرّر النسوي”. هذا الاقتباس الوارد في الدراسة يلقي ضوءً على دافعيّة الكتابة النسويّة عن الجنس ويعطيها بعدًا فكريًّا ومنطقيًّا.

تدخلنا هذا الدراسة إلى عمق نفسيّة الروائيّات العربيّات وخاصّة حنان الشيخ، حيث أنّ غالبيّتهن يوظّفن الجنس كثورة وتمرّد على السيطرة الذكوريّة وليس بدافع تسويقي لرواياتهن.

المرأة هي بطلة أعمال حنان الشيخ وهي ضحيّة المجتمع الذكوري، وهي مقهورة وغريبة عن المجتمع الذكوري ومحيّدة عن الحياة العمليّة السياسيّة الاجتماعيّة وبالتالي التاريخيّة. وتعامل الكاتبة مع الزمان والمكان تغيّر بسبب التغيّر الذي طرأ على حالة البلاد ككلّ سياسيّا واجتماعيّا. وتُظهر الدراسة أن روايات حنان الشيخ تعنى بالواقع الاجتماعي للمرأة وخضوعها للتقاليد والعادات وتعلن الثورة على هذه التقاليد من خلالها، ويظهر أنّ الحرب الأهليّة حرّرت المرأة من القيود البائدة وأوضحت لها أنّ حريّتها جزء من الهويّة القوميّة.

دراسة كلّ صغيرة وكبيرة في روايات حنان الشيخ أعطى البحث بعدّا آخر في تقبُّل ثورة المرأة على الاضطهاد والتغييب.

تحمل هذه الدراسة الأكاديميّة روحًا أدبيّة ناقدة وواعية ومُحلِّلة لكل ظروف المرأة العربيّة من خلال شخصيّات نسائيّة في روايات حنان الشيخ وتتطرّق الدراسة بتوسُّع إلى الحياة الشخصيّة العائليّة لحنان الشيخ من طفولتها حتّى اليوم وتبيّن أنّ شخصيّات رواياتها تتماهي وأحيانًا تتطابق مع شخصيّتها ككاتبة وكامرأة حيث أنّ كثيرًا من الأحداث والشخصيّات في رواياتها وردت في حياتها الخاصّة مما يسم بعض رواياتها بكثير من مقوّمات أدب السيرة الذاتيّة. وتتعامل الكاتبة مع مشاكل المرأة كجزء أساسي من مشاكل المجتمع وتعتبر أنّ الاضطهاد والرقابة على سلوكيّات المرأة لا تأتي من طرف الرجل فقط بل من طرف المرأة الأخرى أيضًا.

وكذلك ترصد الباحثة رباب سرحان الأساليب السرديّة والتقنيات عند حنان الشيخ ومبنى منتوجاتها الأدبيّة مظهرة كل مقوّماتها وجمالياتها اللغويّة.

هنيئًا لنا بالدكتورة رباب سرحان التي أعطتنا بهذه الدراسة مساحة كافية لفهم كلّ أبعاد شخصيّات الروايات بشكل عام وروايات حنان الشيخ بشكل خاص.

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

إياد خليليّة: فؤاد نقّارة.. إلى البحر يحملني

    إياد خليليّة فؤاد نقّارة.. إلى البحر يحملني   هذا المذهل الجميل، صاحب الابتسامة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *