خالديّة أبو جبل: عن كتاب “صيّاد..سمكة وصنّارة”
خالديّة أبو جبل
“صيّاد..سمكة وصنّارة” كتاب رائع للأستاذ فؤاد نقارة، يقع في 200
صفحة من الحجم الوسط، تحرير وإشراف: صباح بشير
لوحة الغلاف:صورة للّمؤلف، والإخراج الفني: سمير حنون، وقد صدر عن دار الشامل للنشر والتوزيع، نابلس.
هناك لحظات لا ينساها المرء أبدا، لحظات يُحبّها بصدق، يعشقها ويحافظ على وصلها دائما، فهي لحظات غير عادية.
فكيف إذا كانت هذه اللحظات رحلات بحريّة، عاشها إنسان طفلا فكونت شخصيته وعشّشت في ذاكرته، برفقة والد مُحبٍّ، جعل من هذه الرحلات سراج تربية وجذور انتماء ونهج حياة ؟ ولم ينقطع الوصل وظلّ الإبن مواظبًا على نهج أبيه وعشقه للبحر وأسماكة وصنارته، حتى امتلأ بحر صدره بتجارب ومعلومات وعبرٍ اختار أن يشارك الناس بها، وفاءً لجميل مغامراته ورحلاته، وإيمانا منه برسالة الكلمة المطبوعة وقدسيتها، وهو من أخذ على عاتقه الأخذ بيد كلّ من كتب حرفًا جميلاً إبداعيًا أن يُخرجه للنور، من على منبرٍ، صار قبلة كل صاحب حرف وكتاب.
فكان النادي الارثوذكسي الحيفاوي، وكان الأستاذ المحامي فؤاد نقارة من أسسه وبناه.
حين يفيض البحر يُخرج كلّ ما في ذاكرته وقلبه، وهكذا فاض نقارة بما حمله من رحلاته البحرية، ومن لحظاته التي تُطيلُ عمر الفرح حين استرجاعها، معتمدا على قلمٍ جاء ابنًا شرعيًا للبحر والقراءة.
فجاد علينا بسخاء المعلومة والتجربة والحكمة وصدق الرسالة.
بلغة سلسة جميلة، تُنسيك التوقف وتحثّك إلى الأمام، كما البحر لا يُلهمك إلّا أن تُغامر وتحلُم بمغامرة أخرى…
نثّرتَ على الورق أسرار البحر ورغوة التجارب المُشتهاة.
علّمتنا أن البحر لا يفتح ذراعيه، ولا يعطي أسراره ومفاتيحه لمن جاء ظانًا بنفسه أنه أقوى من رهبة الأمواج وعتيّ الرياح..
فعلى الوافد إلى البحر أن يتعلم أبجديته وهذه تحتاج إلى وقت وصبر ودأب، لأن البحر كالبشر طبقات متراكمة وذاكرة متوارثة، ولا يستطيع الوافد النفاذ الى أعماقه إلّا بكثيرٍ من المشقة والزمن.
وعند الأستاذ أو الصيّاد نقارة لا يكتمل مشهد الماء من دون الكائنات التي تعيش فيه، ولما كان له أن امتلك مفاتيح أسرار البحر، فقد أمكنه أن يتنقل كسمكة مستكشفة، يقف عند كلّ ما يستحق الوقوف عنده وتوثيقه.
هذا البحر الذي هو بمثابة الهواء الذي يجري في الشرايين للأسماك، يمّدها بالحياة ويجعلها تأخذ ملامحها وتميّزها وألقها..
وكأن الأستاذ، الصياد أكسّب الأسماك ملامح إنسانية في كتابه، مما جعلها أكثر تأثيرًا ورسوخًا في العقل، بدءًا من النظرة ثم العلاقة فالسلوك.
فتلك على سبيل المثال لا الحصر عروسة البحر المختالة بزهو ثوبها، لكنها لا تصلح للأكل…
وتلك سمكة العريان صغر حجمها يُنجيها من الموت، فتعود للبحر
وذلك القرش المرعب الضخم يُباع لحمه بثمن بخس..
وتلك السمكة” القملة” رفيقة العمالقة رفقة المصلحة..الخ…
هذا الجمع بين الطابع البريدي والصورة والمعلومة واللغة والسرد لا ينبثق إلا عن إبداع وثقافة لا ينضب نبعهما..
فأن يقترن اسمك بالبحر والسمكة والصنارة لهو السمو، وما بين الذكريات والتذكر انحناءة نور وطيف من انبهار، وانثيالات من وهج الخير والتواضع…
وكلمة ما قبل الأخيرة: إن فكرت ان تدون سيرتك الذاتية الثرية، سيكون للسمكة والصنارة والصياد، حصة الأسد فيها.
شكرًا أستاذ فؤاد نقارة على رحلة لا يعود منها القارئ حافيَ القلب والذاكرة…
تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.