كان النّسيم ناعمًا حينما جلستُ على برندة بيتي في مساءٍ صيفيّ فتذّكرتُ أصدقاء رحلوا وتركوا أثر الفراشة، سقى الله تلك الأيّام حيثُ تسامرنا معًا، وكانت أحلامنا فيها نعنع وحبق، وفيها قندول وبلّان، وتعربشنا في تلك اللّيالي على شعاع القمر كي نقطف النّجوم ونبني دولة مدماكًا فوق مدماك.
أجلسُ الآن بعد عقودٍ على البرندة إيّاها في مساءٍ ناعم وأحدّق في السّماء ولا أجد نجمة واحدة، بينما كانت السّماء مرصّعة بالنّجوم عندما كنّا صغارًا وكان أحد أترابي ساذجًا ويحاول أن يحصاها.
سرقوا النّجوم من سمائنا ولم تترك لنا الحضارةُ نجمة واحدة في السّماء.
-2-
جاء أولادي يسهرون عند جدّيهما ثمّ جاء أحفادي وحفيداتي
يسهرون معنا أيضًا، فيا هلا ومائة هلا.
كنّا في سنوات خلون نسهر ونحكي حكايا ممتعة ونسمع مواويل شجيّة، يا ظريف الطّول وجفرا، ونتناول القطّين والزّبيب ونأكل خبز الطّابون من القمح الصّافي وزيت الزّيتون والزّعتر.
كانت مائدة شريكة العمر في هذا المساء احتفاليّة وفيها ما لذّ وطاب من فواكه ومكسّرات.
أنا الفتى الّذي هرم بعدما سرق أولاد الحرام طفولته وأدرك مع الأيّام أنّه مواطن بلا وطن ويعيش في قرية لا بلاد لها.
-4-
جنسيّتي خطأ مطبعيّ، ويُحرجني في المطارات الدّوليّة هؤلاء الموظّفون الوقحون وهؤلاء الموظّفات ذوات العيون البيضاء، كلّما طلبوا منّي تسجيل جنسيّتي في الاستمارة الجافّة مثل ورقة التّين في آخر الخريف ولا يفهمون ولا يُدركون أنّ جنسيّتي لا جنسيّة.
-5-
يُدرك مدرّس التّاريخ أنّ مادّة كتاب التّاريخ شهادة زور كتبها جنرالات متغطرسون عقب انتصاراتهم. ويُدرك مدرّس المدنيّات أنّ علم شعبه قطعة قماش محرّمة كان قد طواها من باب التّقيّة، وخبّأها في صندوق أمّه الخشبيّ، ولمّا فتحه بعد سنوات شاهد قوس قزح فمدّ راحته ليلتقطه فهرب منه، فعدا وراءه، وما زال يعدو ويعدو، ولن يرتاح حتّى يراه يرفرف فوق سطح بيته.
-6-
وقف الحاكم العسكريّ الغبيّ متعجرفًا أمام الأسير في الزنزانة وحدّق بالأغلال على ساقيه وساعديه.شعر الحاكم العسكريّ أنّه قزم بينما الأسير نخلة تطاول السّماء وتعلو وتعلو.بدأ الحاكم العسكريّ يهذي ويحصي أيّامه.
-7-
خبّرني طائر السّنونو أنّ “جُبينَة” جميلة الجميلات، السّمراء ذات العينين اللّوزيتيّن، سوف تعود قريبًا الى حضن أمّها، فسمعت شريكة عمري الخبر فأعدّت مائدة احتفاليّة، ودعونا الأصدقاء الى سهرة على ضوء القمر النّاعم.