كرم شقّور: الشّعر الحرّ.. استعمار لغويّ ناعم، يهدّد مملكة الشّعر العربيّ الأصيل  

 

كرم شقور

الشعر الحر: استعمار لغوي ناعم يهدد مملكة الشعر العربي الأصيل

لن نحني قامة العمود الشعري أمام رياح الفوضى

في زمن تتكالب فيه التيارات العابرة على هويتنا الثقافية، وتُستباح فيه أقدس معالم الذوق العربي، يتقدّم ما يُسمّى بـ “الشعر الحر” ليتربّع زورًا على عرش الشعر، في محاولة لهدم ما بناه أجدادنا من صروح لغوية خالدة

إن الشعر العربي، بموسيقاه المنضبطة وبحوره المتقنة وتفعيلاته الرنانة، ليس مجرّد كلام جميل، بل هو نظام صارم يحمل في طياته وجدان الأمة، وتاريخها، ووعيها الجمالي. وهو ليس نصًّا حرًّا طليقًا يعبث به من يشاء، بل هندسة إيقاعية متقنة، تفرض على الشاعر الانضباط قبل الإبداع، وتربّي في الأذن العربية حسًّا موسيقيًّا لا يخطئ الوزن ولا يتهاون بالقافية.

إن ما يسمى بالشعر الحر، الوافد من خلف البحار، ما هو إلا نتاج لغاتٍ لا تشبه لغتنا، ولا تمتلك ما تملكه العربية من قدرة اشتقاق، وثراء بنيوي، وانسياب تعبيري. فاللغة العربية قادرة على توليد المئات من المشتقات من أصلٍ واحد، بينما تأتي اللغات الأجنبية، المنحوتة والثابتة، لتقحم نموذجها على بيئة لغوية أكثر تعقيدًا ومرونة. فهل يُعقل أن نستورد قالبًا أدبيًّا لا يُناسب روح لغتنا، ثم نفرضه على تراثٍ شعري عمره قرون؟

الأدهى من ذلك، أن هذا الشعر الحر – إن جاز تسميته شعرًا – قد أثّر سلبًا في جمهور المستمعين والمتذوقين. لقد خفّض من الذائقة العامة، وخرّب الوقع السمعي في الأذن العربية التي اعتادت على النغمة الرصينة. فصرنا نسمع ما لا يُفهم، ونقرأ ما لا يُقرأ، وقد فتح المجال لآلاف المتسلقين المتطفلين بأن يزعموا بأنهم شعراء. وراحوا مفتخرين بكلمة “الشاعر” تسبق اسمهم، وصدقوا أنفسهم بأنهم شعراء وأصدروا الكتب ودنسوا المكتبات بكتبهم حتى كاد أن يطغى على الأصل. وهم لا يعرفون اسم بحور الشعر، وكل هذا باسم التجديد والتحرر. التحرر من ماذا.؟ من القيود التي فُرضت على نظم الشعر…؟ فأن صعب عليك تنفيذها، لا تخضها. توجه لكتابة النثر فالرواية أو لصورة قلمية، أو خاطرة. أو قطعة أدبية.   فلماذا الشعر بالذات …؟ ألأن لقب شاعر يزيدك قيمة ومكانةً بالمجتمع.؟

من هنا، أتوجه بنداء واضح وصريح إلى المسؤولين على المنصّات الأدبية والمواقع الثقافية:
كفى ترويجًا لهذا النموذج الغريب. لا تفتحوا الأبواب لكل من يكتب سطرين فارغين من الوزن والمعنى ويدّعي أنه شاعر. احموا المنابر من الفوضى، واحرسوا قدسية العمود الشعري من كل متسلّق وغازٍ. فالغزاة كُثر، وإن سقطت قلاع اللغة، فلا عتب بعد ذلك على شي، فأنتم السبب.. فلا تكونوا السبب.

الشعر العربي العمودي هو ذروة الإبداع اللغوي، وقمّته التي لا تُنال بسهولة. هو التاج الذي توّجت به العربية على سائر اللغات، فكيف نفرّط به لصالح نصوص غائمة لا تملك لا قافية ولا ميزانًا؟

إننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى وقفة حقيقية لحماية تراثنا الشعري، وردّ الغزاة عن بوابة العروض، ليبقى الشعر شعرًا، وتبقى اللغة تاجًا نُكلّل به رؤوسنا. هيا نحارب هؤلاء الغزاة وندحرهم دحراً بحيث لا يفكرون بالعودة. ليختفوا اختفاءَ مُخجلاً، وليهربوا متدافعين إلى جحورهم. قد غصّت المنصات بهرائهم السخيف، خيم كلامهم الذي لا يصلح حتى لأن يكون كلمات متقاطعة للغز في جريدة يومية للمبتدئين، بحيث غطى على الكلمة الشعرية الأصيلة.

 أناشدكم مرة أخرى أن لا تصفقوا لهم وأن لا تدعموهم ولا توفروا لهم اعتلاء المنصات. ولا تنشروا لهم. لنحاصرهم في كل مناسبة حتى نتحداهم بالظهور.

 

 

 

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

بهاء رحّال: قرأت لكم.. “كأنّها نائمة” رواية للأديب الرّاحل إلياس خوري

بهاء رحال قرأت لكم… “كأنها نائمة” رواية للراحل إلياس خوري يأخذنا إلياس خوري في روايته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *