د. ماجد خمرة: قراءة في كتاب “صيّاد، سمكة وصنّارة” للكاتب المحامي فؤاد نقّارة
د. ماجد خمرة
قراءة في كتاب “صيّاد، سمكة وصنّارة” للأستاذ المحامي فؤاد مفيد نقّارة
عند قراءتي لكتاب “صيّاد، سمكة وصنّارة” للكاتب المحامي فؤاد نقّارة، يتراءى أمامي الكاتب الكبير حنّا مينا، الذي أبدع في وصف البحر في رواياته، ولا سيما في ثلاثية “حكاية بحار”، حيث أضاف اللون الأزرق وموج البحر والشراع واليخوت إلى الرواية العربية.
إن استحضار حنّا مينا عند قراءتي للصيّاد والصنّارة، لم يكن اعتباطيًا، لأنه فعلاً تجد الكثير من الخلجات والعوالم والتبعيات النفسية المشتركة، فموضوع كتاب فؤاد يأخذنا إلى منحى مغاير لوصف البحر وأغواره العميقة، فمن تجربتي الشخصية في هواية الكتابة، أدرك أن اختيار أي عنوان للنصوص هو عملية معقدة، رغم أنها تحصل أحيانًا بشكل عفوي أو فجائي على شاكلة “وجدتها! وجدتها!”، بعد خوض عدة تجارب للتسمية، وذلك في محاولة لربط العنوان بجوهر النص، وأحيانًا لا يوجد أي رابط بين العنوان والجوهر بتخطيط مسبق ومع سبق الإصرار للكاتب.
في قمة النصوص نجد الإنسان الذات، وما عنوان الكتاب سوى خير دليل على ذلك، فهنا جاء العنوان: الصياد – الذات، السمكة – الهدف، الصنارة – الوسيلة. إن ابتدائية “الصياد” ترمز إلى وجوب حضور الذات، ألا وهو الإنسان، وفعلاً في نصوصه تجد الإنسان – الصياد بتجاربه ومواصفاته من العطاء، والغرور، والأنانية، والإثارة، والثرثرة، وروح النكتة، والبخل، والكرم، وإلى جميع المواصفات الإنسانية التي تتآخى، وربما تتنافر مع الذات الإنسانية، فكل صياد هو إنسان، وليس كل إنسان هو صياد. إذًا فعنوان نصوص فؤاد نقارة هي الذات الإنسانية التي وُهبت مهارة الصيد، المهنة التي اكتسبها الإنسان منذ القدم ومن خلال نشوئه وارتقائه من العالم الحيواني إلى الإنساني. هذه الذات بمقام “في البدء كان الكلمة” للدلالة على أهمية الذات الإنسانية للقيام بأي وظيفة كانت، وكم بالحري الصيد. فالصيد والصياد عند فؤاد هي ليست بالسيرورة التقنية بقدر ما هي فلسفة الإنسان وعلاقته بأخيه الإنسان والطبيعة – البحر.
المقولة الثانية هي السمكة، وهي الهدف، لأنه في نهاية المطاف ستشرفنا الأسماك على أنواعها، التي وصفها فؤاد وصفًا دقيقًا، على موائدنا بأشكال مختلفة من المقلي والمشوي والمطبوخ، ولا سيما طبخة “الصيادية” و”الصيادية الحمراء” اللتان بدأتا في الانقراض.
طبعًا هدف – السمكة ليس هدفًا بحد ذاته بقدر ما توحي به من الرموز الدينية والتقليدية للسمكة، كما أشار إليها الشاعر الطريف دمث الأخلاق، وغزير اللغة العربية، الدكتور منير توما. صياد، وبالذات صياد السمك فؤاد، هدفه الانتصار، انتصار ليس على العدو – السمكة، بل الاستحواذ على ذلك الرمز الغذائي الغريزي للإنسان.
وأخيرًا ينتقل صيادنا الماهر إلى الوسيلة، أي الصنارة، وذلك بالتوافق مع علم الاستشارة التنظيمية والإدارة الحديثة، الذي يوصي باستنباط الوسيلة من الهدف وليس العكس، وهنا تأتي صنارة فؤاد – الوسيلة – للدلالة على المهنية والحرفية، لكن، وعلى ما يبدو، فهي صنارة لاصطياد الأدب والشعر والنثر والفن التشكيلي – صنارة الثقافة، فبقدر إعداد الصنارة مهنيًا بالتلاؤم مع نوع السمكة – الهدف – كذلك عين الصياد فؤاد الثاقبة لتفرس وانتقاء ما هو جيد من الثقافة.
الصياد الماهر يتفرس ويعاين البحر أولاً محاولاً تقدير وضع التيارات والأمواج، وأي نوع من السمك سيطفو، وأي سيبقى بين الصخور، وأي نوع من الطعم يلائم ذلك. مهارته السمكية هي تمامًا مهارته الثقافية مصدقًا بذلك المقولات الفلسفية لتلاؤم القوانين الموضوعية في الطبيعة والديالكتيك لمقولات الحياة الاجتماعية.
هذا هو الصياد فؤاد، وهذه سمكته، وهذه صنارته.
حيفا 3/11/2024
تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.