17.07.2025: نصّ المداخلة الّتي قدّمتها الأديبة نبيهة جبارين في أمسية الكاتبة ميساء فقيه.

نبيهة جبارين

 

أيّها الحضور الكريم

مساء الخير والثّقافة

كيف لا يكون مساءَ خيرٍ وثقافة وقدِ التَقَتْ الأُختانِ المتميِّزتانِ حيفا بإبائها وجمالِها وشُموخِها، وعكّا بأصالتِها وعزَّتِها وتاريخِها – قاهرةُ نابليون –  الْتَقَتا في حفلِنا هذا المَهيبِ، على قمّةِ الثّقافةِ والعطاءِ والإبداع.

لقد شرّفني نادي حيفا الثّقافيُّ مشكوراً بالوقوفِ أمامَكم في هذه الاُمسيةِ المميّزةِ لكي أُشارِكَ في تكريمِ إحدى حرائرِ بلادِنا من الأديبات والكاتباتِ والفنّاناتِ .. الأُختِ الكريمة ميساء فقيه فأهلاً ومرحباً بكِ بينَنا في هذا اللّقاءِ الأخويِّ الجميل.

 لقد أسعدني جدّاً أنْ تعرَّفتُ إلى الأديبةِ الجميلة ميساء فقيه من خلالِ انعكاسِ صورتِها في الكلمةِ واللّحنِ والأداءِ، قبلَ أنْ أتعرَّفَ إليها شخصيّاً الآن وهُنا على هذهِ المِنَصّةِ، فوجدتُ فيها إنسانةً موهوبةً معطاءَ، وفوقَ  هذا كُلِّهِ إنسانةً وفيّةً لعائلتِها وشعبِها وموطنِها الصّغير عكّا، وموطِنِها الكبيرِ بكلِّ تفاصيلِهِ.

 لم يسبِقْ لنا أنِ التقيْنا وتعارَفْنا، ولكنّني تعرّفتُ إليها جيّداً من صدى كلمتِها الصّادقة اللّطيفة التي تُخاطِبُ بها براءةَ الأطفالِ، عندما  قرأتُ بعضاً من قصصِها الموجّهةِ لجيلِ الطُّفولةِ المبكّرة، ولجيلِ اليافعين، فوجدتُ فيها كاتبةً مُلهَمةً مخلصةً تُجيدُ التّواصُلَ مع هذه الأجيالِ تارةً بالكلمةِ، وتارةً باللّحنِ، وتارةً بنغمةِ الصّوتِ وأُخرى بالحركة، وبالتمثيل، وكتابة المسرحيّات. سيّما وأنّها معلِّمةٌ مؤهّلةٌ في موضوعِ التّربيةِ الخاصّة، وعلمِ الاجتماع. إضافةً إلى نشأتِها في بيتٍ يَعُجُّ بالمواهبِ على اختلافِ تنوِّعِها، فمنهم العازفُ المُجيد، ومنهم الكاتب القدير، ومنهم مَن يتمتّعُ بصوتٍ جميلٍ، فكانت هذه البيئةُ أرضاً خصبةً وحاضنةً دافئةً لمواهبِها المتعدّدة.

ولا يخفى أنّنا عندما نتحدّثُ عنِ الأطفالِ، فإنّنا نتحدّثُ عن أجملَ وأندى وأبرأَ فئةٍ منَ المجتمعِ الإنسانيِّ، وعندما نتحدّثُ عن أدبِ الأطفالِ، والأدبُ كما تعلمونَ هو “فنٌّ أداتُه الكلمة” فكيفَ بهِ إنْ كُنّا نتحدّثُ عن أهمِّ  وأرقى وأدقّ أنواع  الأدب، أدبِ الأطفال، (والطّفولةُ صفحةٌ بيضاءُ نكتب عليها ما نشاءُ)، فليكُن ما نكتبُهُ نوراً يضيءُ لهم غياهبَ المستقبلِ. ولذا فعلى  الكاتبِ أنْ يُراعيَ قُدُراتِهم العقليّة، وثروتَهم اللُّغويّة، واهتماماتِهم فيجعلَ كتاباتِهِ تُسهِمُ أوّلاً في توفيرِ جوٍّ لطيفٍ ماتعٍ، يجعلُ الطّفلَ يُقْبِلُ ويستقبلُ ما يُقَدَّمُ إليهِ وهو في غايةِ السّعادةِ والفرحِ، ثمّ – بعدَ إشباعِ المتعةِ – تأتي مُختَلَفُ الأهدافِ التي يَرمي إليها.

وعندما أتوقّفُ عندَ كاتبتِنا المُبدِعة  السّيّدة  ميساء فقيه أجِدُها أوّلاً قد نجحتْ أيَّما نجاحٍ في سكبِ رشَفاتِ الفرحِ والمُتعةِ في قلوبِ الصِّغارِ، بتقديمِ  قصصٍ تُحاكي تجاربَهم الشّخصيّةَ، وتستعيدُ لحظاتِ الدّهشةِ والسّعادةِ التي رافقت براءَتَهم. ( مثلَ قصّة إيمان وعيدُ الأُمِّ مثلاً.. فمَنْ مِنَ الأطفالِ لم تُغْرِهِ المعروضاتُ المُختلفةُ في السّوق فأجَّلَ أوغيَّرَ هدّفَهُ..! كما حدثَ مع إيمان!).  (لن أتوسّعَ وأذكرَ أمثلةً منَ النُّصوصِ حتى أعطيَ فرصةً أكبرَ للفقراتِ الأخرى) وهنا تجدرُ الإشارةُ أنّه كُلّما كانتِ الأحداثُ تعكسُ سلوكيّاتِ وأفكارِ الأطفالِ كُلّما كانت أقربَ إلى قلوبِهِم، وأكثرَ سهولةً في فهمِ وتذويتِ الأهدافِ التّربويّةِ والتّعليميّةِ التي نَرْمي إليها تِلقائيّاً ودونَما شرحٍ وتعليم.

أمّا اللّغةُ في قِصصِ كاتبتِنا  فجاءتْ في أغلبِ الأحيانِ لطيفةً، بسيطةً مسجوعةً، قريبةً مِن عالمِهم، ممّا يُسهِمُ  في زيادةِ منسوبِ المتعةِ والتفاعُلِ والإثراءِ اللُّغَويِّ، وحتى في تسهيلِ الحفظِ والتّرديدِ، إذ إنَّ النّغَمةَ والجَرْسَ الموسيقيَّ المتشابهَ في الكلماتِ المسجوعةِ  يساعدُ جدّاً على حِفظِها.

ولا تتوانى المربّية ميساءُ في التّوجيهِ والتّربيةِ السّليمةِ بأُسلوبِها اللّطيفِ دونَ إدراجِ  الأوامرِ افعلْ ولا تفعلْ .فَتَمُرُّ في كتاباتِها على العِلاقةِ الأُسَريّةِ الحميمةِ، والمناسباتِ العائليّةِ السعيدةِ  فتلمِّحُ إلى أهمّيّةِ الإصغاءِ والتّشاوُرِ ونصائحِ الوالدَيْنِ والكبارِ. فتأتي بمواقفَ يعتبرُها الأطفالُ مشكلةً تُسبِّبُ لهم الغضبَ والضّيقَ، ولكنّها تُنهيها بموقفِ الحلِّ السّليم المُقنِعِ، فتُساهمُ في صقلِ شخصيّةِ الطِّفلِ، وتوجيهِهِ إلى الإصغاءِ وحلِّ المشاكلِ بالتفهُّمِ والاقتناع.    (مثال ذلك في قصّة مرح تُريدُ كلَّ شيء).

وبأسلوبٍ لبِقٍ توجِّهُ كاتبتُنا الأطفالَ إلى الاهتمامِ بالأعشابِ الطّبيعيّةِ ودوْرِها في العلاج الطّبيعيّ الناجع وغيرِ المُكلِف، وهي هنا تكشفُ للأطفالِ بعضَ المُمارساتِ الشّعبيّةِ الإيجابيّةِ  كالتّداوي بالأعشاب، والذي أصبحَ عِلماً بحدِّ ذاتِه.

وبتلميحٍ لطيفٍ أيضاً توجِّهُ الطّفلَ إلى الثّقةِ باللهِ، وصِدقِ الإيمان به، واللُّجوءِ إليهِ عندَ الضّيقِ  (وهذا ما نلمَسُهُ في قصّةِ – نهيد وليلةُ العيد -).

ثمَّ تحفُرُ كاتبتُنا عميقاً في توطيدِ علاقةِ الطّفلِ بالأرضِ والوطنِ والموروثِ الشّعبيِّ في قصّةِ ( علاء يحتفلُ بعيدِ غرسِ االاشجار)

فهنا في هذهِ القصّةِ تضيءُ كاتبتُنا عتمةَ التّيهِ.. وتَستثْني المعلوماتِ السّطحيّةَ، فتوجِّهُ إلى حبِّ الوطنِ، والحِفاظِ عليهِ منَ الغيرِ ومِنَ التّغييرِ والتّزييفِ، وتُبرِزُ علاقةَ الفلّاحِ بأرضِهِ وبشجرةِ الزّيتونِ المُرابِطة.

وتبلغُ أديبتُنا قمّةَ الإنسانيّةِ في طرحِها موضوعاً  أنسانيّاً من الدّرجةِ الأولى، وهو موضوعُ السّلامِ العامِّ بينَ بني البشرِ، جاء هذا من وراءِ سطورِ قصّتِها ( بعيداً عن العُنف) وهي تدعو لأنْ يقتديَ بنو البشرِ برجالِ ومخلوقاتِ الفضاء) في التّآخي والمحبّةِ والتّفاهمِ والتّسامُحِ والمشاركة.

وفضلاً عن تأليفِ القصصِ والأغاني والمسرحيّات فقد شاهدتُ حلقةً مسجَّلةً للكاتبة العزيزة  ميساء زادتْني إعجاباً وتقديراً لهذه الشّخصيّةِ التي تربّتْ وربَّتْ على الإيثارِ والمحبّةِ والعطاءِ، وعلى حبِّ الوطنِ والتشبُّثِ بهِ وتقديسِهِ، فهيَ ترى في عكّا وطناً لا يمكنُ أنْ تستبدلَهُ بكلِّ بقاعِ الأرض، وحقَّ لها.

وهي أُمٌّ مخلِصةٌ تستحقُّ أنْ تكونَ الجنَّةُ تحتَ أقدامِها. فهي في بدايةِ طريقِها لم تُفَضِّلْ مصلحتَها الشّخصيّةَ في الحصولِ على الشّهاداتِ الأكاديميّةِ، أو تطويرِ موهبةِ الموسيقى والغناءِ واستثمارِها في مجالاتِ العملِ المُختلفةِ على احتضانِ وتربيةِ أطفالِها، وصوْنِ حياضِ بيتِها أوّلاً، وهذا أمرٌ يستحقُّ كلَّ الاحترامِ والتّقدير.

لم تكتفِ ميساءُ بالكتابةِ، ففي الوقتِ الملائمِ استثمرتْ موهبتَها في مجالِ الموسيقى والغناءِ والتّمثيلِ لأطفالِنا الأحبّاء، فهي تكتبُ وتُلحِّنُ وتُغنّي وتُمثِّلُ وتُسجِّلُ لكيْ تَرْضى عن نفسِها وموهبتِها وعطائها للأحبّاءِ الصِّغار في كلِّ مكانٍ وفي الكثيرِ من مجالاتِ المعرفةِ والمتعةِ والانتماء.

بوركتِ عزيزتي الأديبة ميساء فقيه ودام قلمُكِ فيّاضاً بالجمالِ والإبداعِ والإمتاعِ.. ودمتِ وعائلتُكِ الجميلةُ بخيرٍ وسعادةٍ وهناء.

شكراً لنادي حيفا الثقافي والقائمينَ عليه كُلٍّ باسمِهِ ولقبِهِ، الأستاذ جريس خوري، والأستاذ المحامي فؤاد نقّارة، والأخت العزيزة سوزي والأديبة اللامعة الأستاذة صباح بشير، على الثّقة وإتاحةِ هذه الفرصةِ لي للمشاركةِ بتكريمٍ مُسْتَحَقّ لقامةٍ أدبيّةٍ بارزة.. دام هذا النّادي منارةَ علمٍ وإبداع.

دمتم جميعاً بخيرٍ وهناء، ودام العطاءُ والوفاء.

والسلامُ عليكم والسلامُ لكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

 

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

نايف خوري: تقديم أمسية أبو غابي رضا شقّور – الخميس- 03.07.2025

نايف خوري تقديم أمسية أبو غابي رضا شقور – الخميس 3.7.2025 مساء الخير، والفرح، والصمود …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *