نص المداخلة التي ألقاها د. سمير حاجّ في أمسية د. إخلاص قلق شاهين

 

             د. سمير حاجّ

    اللغة والأسلوب في الرواية النسائية للدكتورة إخلاص  قلق شاهين

                                                                      

يقول الشّاعر اليافيُّ  محمود سليم  الحوت:

يافا لقد جفّ دمعي فانتحبت دمًا        متى أراك ِ؟ وهل في العمرِ من أمدِ ؟

أُمسي وأُصبحُ ،  والذكرى مُجدّدةٌ         محمولةٌ في طوايا النفسِ  للأبدِ

كيفَ الشقيقاتُ  ؟ واشَوْقي لها مُدُنًا         كأنّها قِطعٌ من جنّةِ  الخُلدِ

ما بالُ قلبي إذا ما سِرْتُ مِن بلدٍ        وجدتُهُ هازئًا بالعيشةِ  الرَّغّدِ

تعبْتُ لكنّني ما زلتُ في تعبي         أشكو إلى اللهِ  لا  أشكو إلى أحدِ

نحن الليلةَ مع باحثةٍ  من  الشقيقةِ الرملةِ ، الرملة التي أنجبت أساطينَ  في الأدب والفكر والسياسة ، أمثال سليمان التاجي الفاروقي (1882-1956) ،  الذي صوّر في إحدى قصائدِهِ  سقوطَ أوّلِ طائرةٍ في يافا عام 1912 ، والشيخ سليمان التاجي الفاروقي الملقّب بمعرّي فلسطين ،  وعبد الحميد الأنشاصي (1910-1991) ،  والشاعر أبي الفتح الرّمليّ الملقّب ب كُشاجم  ، والمنحوت لقبه  من كلمات :  كاتب ، شاعر،  أديب ، جواد ، مُنجّم ، والشاعرة والكاتبة هيام رمزي الدُّردنجي  والكثير .

سأحاول أن أكون موضوعيًا هذه الأمسيّةَ ، وأنا المسكونُ بحب المثلثِ  الساحليّ الوضيء ، الرملة واللد ويافا ، يافا سحابةُ العمرِ . هذهِ القامةُ الشامخةُ  اليوم ، المحتفى بها ، حين كنتُ مدرّسًا في مدرسة  تيراسنطا يافا الثانوية ، كانت طالبةً نجيبةً ، استشرفنا لها  هذا المركز وهذه المرتبة العليا وهذا العطاء  المميّز .

يقول الشاعر والروائيّ الروسي فلاديمير ناباكوف (1899-1977 ) ، صاحب لوليتا  ،بما ترجم للغة الإنجليزية:

Style and structure  are  the essence of a book , great ideas are hogwash”

الأسلوب والمبنى هما  الجوهر ،  الأفكارُ العظيمة هي هُراءُ أي كلامٌ فارغٌ  .

وقال الفيلسوف الألماني  مارتن هايدغر ،  صاحب نظرية القلقِ والعدم والتلاشي، ” اللغةُ هي مأوى الكائنِ ومثواهُ ” .

في هذه الأمسيّةِ، ماذا يقولُ الكائنُ الكتابيُّ بلسانِ الكائنِ الإنسانيّ؟

اللغة والأسلوب في الرواية النسائية، دراسةٌ تعالج فيها  الدكتورة إخلاص قلق شاهين،  خصوصية  اللغة َ والأسلوبَ في سرديات  نون النسوة / سرديات   شهرزاد اليوم  المرأة  الكاتبة والسّاردة .  بعد أن كانتِ المرأةُ   في التراث العربي  حكّاءةً ، أصبحت اليوم  ساردةً روائية  مبدعة،  تحتل المشهد الكتابي  المعاصر ، وتبلور هويّته  ثيمةً وتِقانةً.

في هذه الدراسة الأكاديميّة الحداثيّة، تقوم  د.إخلاص  قلق شاهين ، برحلة بحث واستنباط في سرديات المرأة  لسبر أغوار لغتها  وأسلوبها الكتابيّ ، أي دراسة  الناحية الفنية والأسلوبية  بطريقة  بحثوية  علمية  ، معتمدة نظريات السرد الحديثة ،  متناولة مجموعة من الأعمال الروائية النسوية لزينب فواز (حُسن العواقب) ووداد سكاكيني ( أروى بنت الخطوب) ،  لطيفة الزيات وحنان الشيخ (حكاية زهرة ) ، وبتول الخِضيري ( كم بدت السماء قريبة ) ، ورجاء الصانع (بنات الرياض) ، ورجاء بكرية ( امرأة الرسالة ).

ما يميّز هذه الدراسة ، المكتوبة بطريقة بحثية عميقة، هو شموليتها واحتواؤها أعمالًا روائيةً  تقليديةً وحداثيةً  ، أثارت دهشةً وضجةً في الموضوع، من حيث كسر التابوهات (الثالوث المقدّس)،  وحصرًا الكتابة عن الجسد، مثل حكاية زهرة لحنان الشيخ، التي تحكي تداعيات الحرب الأهلية اللبنانية على المجتمع اللبناني  ومن حيثُ  الأسلوب والتِقانة  ، مثل بنات الرياض لرجاء الصانع ، التي فيها ، استخدمت فتاةٌ سعوديةٌ  مع صديقاتها  تقنياتٍ  حداثيةً، مراسلاتٍ  إلكترونيةً، عبر الشبكة العنكبوتية، لتكشف حكاياتهن الخاصّة، مستخدمة الحوار العامي أي  القاموس اللهجاتي المحلي.

شملتِ الدراسةُ، كاتباتٍ من أقطارٍ عربيةٍ متنوّعة، وبأجيالٍ مختلفةٍ، من البدايات حتى اليوم وهذا أثرى البحث، ومَوْضعهُ في  قلبِ وقالبِ البانوراما والشمولية والعمق.

صحيحٌ أنّ اللغةَ واحدةٌ  للرجل والمرأة، لكنَّ  سؤالَ  البحث، يتمحور حول تأثير أنثوية المرأة في كتابتها، من حيث مستوى السرد، والصور والتعابير والرموز والموتيفات .

هل هناك خصوصيةٌ في لغة وأسلوب الكتابة  عند المرأة ؟ ولماذا البحث عن السيرة الذاتية في روايات المرأة ؟

توصلتِ  الدراسةُ، إلى محصلات تتعلق بلغة وأسلوب الفن الروائي عند الكاتبات العربيات .منها استخدام السّرد الذاتيّ الأحاديّ كما في رواية ( كم بدتِ السماءُ قريبةً ) لبتول الخضيري ، وتوظيف تقنيةً سرديةً حديثةً أي رسائل إلكترونية  مكتوبة  بضمير المتكلّم ،  كما في ( بنات الرياض) لرجاء الصانع ، واتباع الرسائل والضمير المتكلّم الأنثويّ ، كما في امرأة الرسالة لرجاء بكرية ، والتكثيف في توظيف الصور والرموز الخاصة بالمرأة .

ومن حيث اللغة، برزت  في كتابة المرأة، وجدانية اللغة و كثافة الصور الشاعريّة . وهناك تواءمٌ بين اللغة ومستوى الشخصية ثقافيًّا ، كما يوجد  اختلافٌ وتفاوتٌ بين الكاتبات ، في توصيف الجسد ، من حيث التلميح والكشف التفصيليّ  الصريح ، وهذا عائدٌ إلى المجتمعات والبيئات التي عِشْنَها .

هذه التنويعات الأسلوبية ، من وجهة نظر الدكتورة إخلاص قلق شاهين ، هي تمرّد وثورةٌ  على الأساليب التقليدية للرواية العربية.

وأشارت الباحثة  إلى اهتمام الكاتبات ، بتوظيف تقنية الميتاكتابة  / ما وراء الكتابة : الكتابة التي لا يستطيعُ التلذّذ بها ، سوى من يملك ذائقة لغوية أو عبقرية كتابية . وهذه الكتابة ثائرةٌ  على الأفكار وتجلب الشهرة لأصحابها .

كما بيّنت  اهتمام المرأة الكاتبة  بكثافة العتبات النّصّية ،   وكما جاء في الدراسة ( ص331)  :

” فهي لا تكتفي بعنوان الرواية والإهداء ، بل تعطي غالبًا لكل فصل عنوانًا ، عدا عن العناوين

الفرعية  للفصل الواحدِ أحيانًا  ، فضلًا عن كثافة النّصوص الموازية (المُناصّات )  التي

تسبق الرواية أو تأتي في نهايتها ، هذه النصوصُ غالبًا ما تكون اقتباساتٍ ،  من أقوال شعراء

وكتّاب ومفكّرين عرب وأجانبَ ” .

لقد  قدّمت هذه  الدراسة  الرّصينة ،  صورةً رائعةً للمرأة الكاتبةِ الواعية ِ، الباحثة عن الصيرورة والسيرورة ،  من خلال تمكنّها ومعرفتها العميقة ،  في اللغة والأسلوب ، على النقيض من الصورةِ النّمطية للمرأة الحكّاءة  ، في الإرث الثقافيّ والاجتماعيّ البائد .

هنيئًا للدكتورة إخلاص على هذه الدراسة !،  وهنيئًا للمكتبة العربية على هذا العمل الرّصين !

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

د. خالد تركي: نافذتي تُطلُّ على رواية “قِلادَةُ ياسَمين”

د. خالد تركي نافذتي تُطلُّ على رواية “قِلادَةُ ياسَمين” القُدسُ هي قدسُ أقداسِنا، هي زهرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *