الدكتور منير توما  في تكريم الشّاعر عبد الرّحيم الشّيخ يوسف في نادي حيفا الثّقافيّ/ 29.5.2025

 

 الدكتور منير توما

 في تكريم الشّاعر عبد الرّحيم الشّيخ يوسف في نادي حيفا الثقافي 29.5.2025

للفِكْرِ في كُلِّ عَهْدٍ كاتبٌ فَطِنُ

“عبد الرحيمِ” عليهِ الناطِقُ المُزُنُ

يُسَرُّ بالشاعِرِ الشادي فَيُعْجِبُهُ

لكنْ تَمَنّيهِ فيهِ ليسَ يُمْتَحَنُ

إنَّ “الرحيمَ” كريمٌ عَزَّ مَقْصَدُهُ

مِن كُلِّ ما يرتجيهِ اليُمْنُ واللُسُنُ

فلا ترى مِن جنى الموهوبِ قافيةً

حتى ترى خيرَ شِعْرٍ مالَهُ وَهَنُ

هذا هو “بو البشير” الذي سَمِعَتْ

عَنْهُ البِلادُ وكانتْ عِنْدَهُ السُنَنُ

في كلِّ سَطْرٍ مَدَاهُ فَنُّ قافيةٍ

صَحَّ التوافقُ فيها حينَ تَقْتَرِنُ

واللّهُ يَعْرِفُ أنَّ الشِعرَ أصدقُ بي

لولا سطورٌ بِهِنَّ النّثرُ مُؤتَمَنُ

عليَّ ما لا أُراعيهِ بخطَ يدٍ

فقد أُراعيهِ مما تسمعُ الأُذُنُ

مواهبٌ هي عَقْلٌ لا انفلاتَ لهُ

عندي وما دونَها الأعضاءُ والبَدَنُ

نسوقُهَا نحوَ نادٍ قادَ رِحْلَتَهُ

جُهْدُ “الفؤادِ”، وزانتْ روضَهُ السّوسنُ

أني تَعَمَّدْتُ قولَ الشعرِ مُنفعِلًا

حتى تَعانقَ عندي البحرُ والسُفُنُ

****

الفرائد اللغوية والأدبية في كتاب جولات في بساتين بنت عدنانللأستاذ عبد الرحيم الشيخ يوسف:

إنّ كتاب “جولات في بساتين بنت عدنان” الذي أتحفنا بتأليفهِ وإصدارهِ الأديب والشاعر الأستاذ عبد الرحيم الشيخ يوسف، لهوَ كتاب كبير المعنى شبه موسوعي يتناول كل ما يمكن أن يغيب عن ذاكرة الإنسان من معلومات لغوية عربية وأسماء أدباء ورجال فكر خاضوا غمار الأدب والشعر العربي، وأسماء كتب مهمة تركت أثرًا كبيرًا في التطوّر الثقافي والحضاري، فضلًا عن أنه يشكِّل مرجعًا مهمًا ومغريًا لكل مثقف يبحث عن كلمة أو عبارة مناسبة لتأييد بحثٍ يعدّهُ أو يحلّ ألغازًا فكرية وكلمات في ميدان اللغة العربية بتنوعات مختلفة الأغراض.

لقد جسّد الأستاذ عبد الرحيم في كتابهِ هذا كون العرب شديدي الاعتزاز بلغتهم، حريصين على تقديرها، ووضعها في أجمل منزلةٍ وأجمل صورة.. وقد تجلّى ذاك الاعتزاز، والحرص في اهتمامهم الواضح بجودة الارتقاء وحُسن الحديث، وفي نفورهم من كلِّ عيبٍ يشوب النطق، أو يشوّه التعبير.. وهنا لا بُدَّ لي أن أؤكد بما لا يخفى علينا ويعلمه الجميع أنّ لغتنا العربية أي بنت عدنان هي لغة جميلة، مظهرًا ومَخْبَرًا، ولهجةً ونغمةً، فهي التي يَقول عنها الشاعر اللبناني حليم دموس منذ عقودٍ من الزمن:

لغةٌ إذا وقعتْ على أسماعنا

كانت لنا بردًا على الأكبادِ

ستظلُّ رابطةً توحِّدُ بيننا

وهي الرجاءُ لناطقٍ بالضادِ

وبذلك، فنحن نربأ بلغتنا العربية من كلِّ ضيقٍ أو تقصيرٍ، فلغتنا حلوة، جميلة، أنيسة مأنوسة، غير أنّها لا تخلو، كسائر اللغات، بل إنّها تتحلّى، ببعض الفرائد، التي تستوقف القارئ أو الباحث في اللغة، فيرتفع حاجباه اندهاشًا.. مما يضطرّ اللغوي للبحث عن سرِّ هذا الكم الهائل من المفردات والأدبيات والنموذجات العديدة التي تحكي على موضوعات مختلفة، متباينة، هي صور للفرادة.. ومظاهر الفرادة.. وانطلاقًا من هذهِ المعاني، قام الأديب والباحث اللغوي الحصيف الأستاذ عبد الرحيم الشيخ يوسف بتناول الكثير من هذهِ الأمور في كتابهِ “جولات في بساتين بنت عدنان” هذا الكتاب اللافت بمضمونهِ وعنوانهِ، والذي نجح مؤلفه في استحضار مجموعة من (الفرائد اللغوية) والأدبيات اللغوية العربية التي منها ما يتكلم على (متابعات لغوية) في الباب الأوّل من الكتاب كألغاز لغوية، وفصل في الكنايات، وإثراءات لغوية، وجملة من الفروق، وجواهر الألفاظ، ولطائف اللغة، والترادف في اللغة العربية، أما الباب الثاني من الكتاب فعنوانه “أديب وكتّاب” حيث ينتقل فيه الكاتب إلى موضوعات مثل: مع الثعالبي، مع الشيخ ناصيف اليازجي، ومع زعيم البيان العربي، ومع أبي حيّان التوحيدي، ومع الفرّاء، وكتاب الأيام والليالي، ومع معاني الحروف والخليل بن أحمد، وغير ذلك من الموضوعات، وفي الباب الثالث يأخذنا مؤلف الكتاب إلى توضيح وتبيان ما معنى التحيات لله، وكلمات عربية وليست دخيلة، ومعاني كلام الناس، ومعاني بعض الاستعمالات، وكلمات ومعاني خاصة، وبعض الكلمات ودلالاتها، وغير ذلك من الموضوعات الثانوية في هذا الباب مثل التصحيف والتحريض في اللغة العربية، ومعنى كلمة خليل.

وحين نتابع في قراءة الباب الرابع، يخوض الكاتب جولة في حقول الكتابةِ كعنوان لهذا الباب الذي يتضمن ما يُعْرَف بالمُشاكلة، الاحتباك، ثم يسترسل في حديثه ليصل إلى خزانة الأدب، ومع الفن البديعيّ الجناس، وتقديمهِ للقارئ باقة من زهور الربيع من علم البديع. ومن الموضوعات التي ننتقيها من الباب الخامس وهي بعنوان “مواضيع عامة” نذكر منها: فصول في أوصاف خاصة، ومتشابهات اللفظة مختلفات المعنى، وبعض نوادر المتنبئين، وعن عصر المأمون، وعن عيد المولد النبوي الشريف، وأبيات ابن الرومي في الطويل، وألفاظ أول من تكلم بها الرسول، وعن الأتباع والمزاوجة، ويتطرق الكاتب في الباب السادس إلى أمثال وأقوال من حقول الشعر، كأقوال في المرأة، وموضوعات مثل الضرورات الشعرية، والسرقات الشعرية وغيرها.

أما الباب السابع ففيهِ تصويبات لغوية ونوادر، ويليه الباب الثامن حول المثلثات في اللغة ووقفة مع مثلثات قُطرُب. ويثري المؤلف كتابه أيضًا في الباب التاسع بموضوعات تحت عنوان “قصة وحكمة” حيث يسوق لنا المؤلف حديثًا مُشَوِّقًا عن معن بن زائدة، وعن الجاحظ ونوادره عن المعلمين، وكذلك عن كتب المجالس، وكتب الأمالي، وكتب الجليس، وغيرها من الموضوعات الشائقة لنأتي أخيرًا في الكتاب إلى الباب العاشر إلى قصائد خاصة مثل قصيدة العين، وقصيدة عليا وعصام، وقصيدة على اليرموك وغيرها من قصائد أخرى.

وأخيرًا وليس آخرًا، فإنّنا نرى أنَّ الأستاذ عبد الرحيم الشيخ يوسف بكتابهِ هذا “جولات في بساتين بنت عدنان” قد استطاع أن يجعل من كتابهِ هذا مصدرًا من مصادر المتعة الذهنية والفكرية واللغوية والأدبية المرتبطة بلغتنا العربية العريقة الأصيلة باعتبار أنّ اللغة هي وعاء الفكر وعصارة الأدب والفكر للشعوب، وبالتالي فإنَّ العديد من موضوعات كتاب الأستاذ عبد الرحيم تؤدي بنا إلى الخروج بنتيجتين: أولهما أن اللغة والأدب هما تعبير عن حقيقة وواقع انسانيين، وهذا ما يجعل لهما أهمية انسانية، ويجعلهما سجلًا حيًّا لما نراه، وما نختبره، أو نفكّر فيه أو نشعر بهِ.

وثانيتهما: أنهما تعبير جميل، يُحدث فينا الرضى الفني والمتعة والارتياح النفسي، وبذلك يكونان أداة في صقل الشخصية البشرية واسعادها، ويتيح لها التبلور والكشف عن مكنوناتها، وهما يؤديان، من خلال فنونهما المتطورة، المعاني المتراكمة خلال الأزمنة، والمستحدثات المعاصرة في شموليتهما الإنسانية، أو حصريتها الفردية، ويبرزان في نصوصهما المتوازنة، إسهام الشعب، قديمًا وحديثًا، في بناء الحضارة، متوخّين المزاوجة بين المضمون والشكل، ليجعلا منهما وحدة فنيّة.

وهكذا، فإننا نشيد بالمربي العريق والأديب الكبير الأستاذ عبد الرحيم الشيخ يوسف فهو يستحق كل ثناء وإطراء وتقدير على انتاجاتهِ الأدبية واللغوية المميزة محقّقًا القول بأنّ الأدب صياغة فنيّة لتجربة بشرية، وكذلك الأدب تعبير عن الحياة، وسيلته اللغة، فيكون الأدب بذلك ظاهرة من مولدات الفكر البشري المعبَّر عنها بأسلوب فني جميل، فللأستاذ عبد الرحيم أصدق التحيات وأطيب التمنيات بموفور الصحة والعمر المديد ودوام التوفيق والعطاء.

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

كرم شقّور: الشّعر الحرّ.. استعمار لغويّ ناعم، يهدّد مملكة الشّعر العربيّ الأصيل  

  كرم شقور الشعر الحر: استعمار لغوي ناعم يهدد مملكة الشعر العربي الأصيل لن نحني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *