محمود شقير: صفحات من حيفا للدكتور خالد تركي

 

محمود شقير:

1

في 313 صفحة من القطع الكبير وبغلاف مزيّن بصور عزيزات وأعزاء غادروا هذه الدنيا، وبصور شخصية ولوحات فنية بالأبيض والأسود، صدر عام 2025 من مكتبة كل شيء/ حيفا كتاب “صفحات من حيفا” للكاتب الدكتور خالد تركي مشتملًا على ستين مادة أدبية موزعة على نصوص ومقالات وقصائد وتقارير إخبارية وحوارات وتعليقات على كتب، قسم  منها من تأليف الكاتب، وقسم آخر منها كتبها كتّاب وكاتبات عن مؤلفات أخرى ومقالات للكاتب، أو هي قصائد ونصوص اختارها الكاتب لإلقاء مزيد من الضوء  الكاشف على شخصية الأب المناضل، أو لمدح رفيق مناضل غيّبه الموت عن ساحة النضال، أو للتعليق على كتاب ألّفه الرفيق الدكتور خالد تركي.

الكتاب الذي صمّمه شربل إلياس لا يحمل تجنيسًا ولا تصنيفًا ربما لتنوّع المواد الأدبية التي اشتمل عليها الكتاب، لكن ما يجمع هذه المواد وينظمها في بنية مترادفة هو اسم حيفا الذي حمل بجدارة هذه الصفحات.

2

يبدأ الكتاب بتمهيد يتضمن ما يشبه خريطة الطريق لتنوير القارئ بما يشتمل عليه الكتاب، إذ يبدأ بالقول على ص11 : “أجمع في كتابي هذا مجموعة من مقالات كنت قد نشرتها في  الصحف  الورقية والإلكترونية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وجدتها أجمل، حين أضعها في كتاب يحمله القارئ في جعبته، ويقرأه مرة تلو الأخرى”.

ثم يشير باختصار إلى محتويات  الكتاب الذي يشتمل “على مقالات عن حيفا في يوم  الأرض ا لخالد”، و”عن شخصيات تركتنا على الأرض وراحت لراحتها الأبدية، بعد أن تركت بصماتها العزيزة والشريفة على جبين وجبهة حيفا العالية”، وفي الكتاب “قراءات ومداخلات لكتب” قرأها الدكتور خالد، “وفيه كلمات ألقيت في مناسبات عديدة” وفيه “ألبوم الفنانة القديرة أمل مرقص “فتَّح الورد”، كذلك تجدون في الكتاب ما كُتب عن مؤلفاتي من مقالات ومداخلات وتعقيبات” وفيه مقابلات صحفية كانت قد أُجريت معي”ص12″.

3

يبدأ الكتاب بتقديم أجمل مشاعر الحب والامتنان للأم التي ربّت وتعبت وزرعت مع الوالد البسمة على شفاه الأبناء، ثم يترحّم بالود الغامر والثناء الأكيد على روح الوالد المناضل الذي كان له الأثر الكبير على الأبناء، وعلى شباب الحي الذي يقيم فيه في حيفا.

ويوالي الدكتور خالد تركي الكتابة بأسلوب رصين وبعواطف صادقة عن عزيزات وأعزاء رحلوا عن دنيانا وتركوا غصة في القلوب وحزنًا في الأنفس، عن شقيقته أميّة وعن خاله فوزي، وعن الرفيق عباس زين الدين، وعن الرفيق القائد الشاعر توفيق زياد، وينشر في الكتاب قصيدة نظمها والده الشاعر المناضل داود تركي، أبو عايدة بعنوان “رحيلك يا رفيقي” عن رحيل توفيق زياد.

يلفت النظر ما كتبه الرفيق الدكتور خالد تركي في الرثاء، فهو مقرون بالمزايا الشخصية لمن يكتب عنهم جنبًا إلى جنب مع الحديث عن الوضع العام في حيفا خصوصًا، وفي البلاد بشكل عام، ومدى إسهامهم في النضال من أجل قضايا الوطن والشعب، ومدى تضحياتهم في سبيل  المصلحة العامة للفلسطينيين الباقين في وطنهم، وكذلك مدى التزامهم بحقيقة أنهم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وهم منخرطون معه في نضاله من أجل التحرر من الاحتلال، ومن أجل تقرير المصير والاستقلال، إلى جانب نضالهم في الداخل ضد التمييز ومصادرة الأرض، وخير دليل على ذلك مأثرة يوم الأرض الخالد التي لعب الحزب الشيوعي فيها دورًا بارزًا، وخصّها الدكتور خالد بشرح مفصل وافٍ رصين.

يلفت النظر كذلك في كتابات الرفيق مدى التزامه بانتمائه للحزب الشيوعي وإيمانه بالفكر الشيوعي وقناعته الراسخة بأن هذا الانتماء وذلك الفكر إنما فيه التعبير عن الطريق الصحيح نحو الحرية والتقدم الاجتماعي والانعتاق من نير التخلف والتبعية والاستعباد والعنصرية، والسير نحو حياة فيها المساواة والأمن والرخاء للشعب الفلسطيني ولكل الشعوب وعلى قدم المساواة ومن دون تمييز أو استعلاء.

4

في الجانب المقابل، وفي مقالاته المخصصة لنقد السياسة اليومية، يكتب الدكتور خالد بوضوح ومن دون مواربة ضد السياسات العنصرية الاحتلالية للحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، ويؤكد على صمود الشعب الفلسطيني في وطنه الذي لا وطن له سواه، مهما تجبر نتنياهو ومعه بن غفير وسموتريتش، وينتقد تعليق يافطة انتخابية لصالح نتنياهو في “حي وادي النسناس العريق في حيفا، هذا الحي المعروف بأصالته وكرامته وثباته وحرصه على انتمائه الوطني الشريف”ص146، ويكتب في نهاية مقالته المؤرخة بتاريخ 18/03/2021 قائلًا: “لا للأحزاب الصهيونية، نعم للقائمة المشتركة بحروفها و ض ع م”.

5

على صفحة 147 صورة بالأبيض والأسود للوحة فنية للفنان التشكيلي عبد عابدي بعنوان “أمنا الأرض”. ومن صفحة148 إلى نهاية الكتاب تقارير إخبارية من صحيفة الاتحاد تدلل على مواقف الصحيفة المبدئية الراسخة في الدفاع عن الأرض وعن  الكرامة الوطنية للناس، ورسائل ومقابلات ومقالات عديدة بأقلام كاتبات وكتاب عن كتب صدرت للرفيق خالد: “يوميات برهوم البلشفي” و “حماة الديار”  و “حيفا في ذاكرة برهوم كي لا تنسى” و “من حيفا…هنا دمشق” تمحورت كلها حول أفكار الكاتب التقدمية وحول حبه لحيفا وانتمائه الأصيل لها، وكذلك انتماؤه من دون مواربة للفكر الشيوعي ودفاعه عن الحزب الذي يحمل هذا الفكر واعتزازه بالرفاق الذين ناضلوا ويناضلون من أجل هذا الفكر من دون يأس أو تراجع حين يكون هناك قلة من السالكين في هذا الطريق الحق.

6

ما يلفت النظر في أسلوب الكاتب أنه لا يلجأ إلى التفجع العاطفي أو الكتابة الرومانسية حين يكتب عمّن رحلوا، بل هو يعمد بأسلوب وازن رصين وبمترادفات عديدة، إظهار القيم الإنسانية والنضالية النبيلة التي اشتمل عليها هؤلاء الراحلون، لتعزيز تلك القيم في حياة  الأحياء من الناس، وفي حياة الأجيال الجديدة على وجه الخصوص.

وحين يكتب الرفيق خالد عن حيفا، فهو يكتب عن مدينة عريقة لها تاريخ ولها حضور، وهو يعزز بكتابته عنها جانبها النضالي الذي يجعلها محبوبة من أبنائها المناضلين، ويجعل أبناءها المناضلين مشدودين إليها في تفاعل عميق حميم.

وإلى جانب أسلوبه التوثيقي التاريخي الحريص على حفظ وقائع النضال التقدمي الإنساني المجيد، فهو يكتب مقالاته ونصوصه بأسلوب أدبي رشيق، ويستعين بمحفوظاته من الشعر والنصوص الأدبية ويدمجها على نحو ممتع بجملته الأدبية الرصينة.

وهو يكتب بجرأة ووضوح ولا يمالئ أو يتأتئ أو يغمغم للتمويه على معتقداته وعلى أفكاره، وتلك ميزة في هذا الزمن الملتبس الذي يحاول فيه أصحاب المال شراء الذمم وغسل العقول.

بقيت ملاحظة واحدة، كنت أتمنى لو تمّ تنسيق مادة الكتاب وتقسيمها على هيئة فصول،  بحيث يحوي كل فصل مادة منسجمة متتالية من دون انقطاعات ومن دون تداخل في نشر المواد، مع تقديري للرفيق الكاتب الدكتور خالد تركي كلّ التقدير.

 

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

صباح بشير: رواية “عين الزّيتون” للأديب محمّد علي طه.. وثيقة صمود في سجلّ الذّاكرة

صباح بشير   صدرت عن الدّار الأهليّة للنّشر والتّوزيع (2025م)، رواية “عين الزّيتون”، للأديب محمّد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *