محمد بكريّة: ألا يحقُّ لنا السفر!

محمد بكريّة

ألا يحقُّ لنا السفر؟

سألتْه بصوتٍ أجَشّ وهي تسرِقُ من عينيْه ارتدادَ سؤالِها بعينيْها الناعستيْن

الخجولتيْن ،المفتوحتيْن عنوةً بأمرٍ من شبقِها هي العاشقة.

قال: إلى أينَ نسافرُ وكلُّ أرضِ الله مغلقة!

حدودٌ كالسدود، غربٌ، شرقٌ، شمالٌ وجنوب،

السماءُ ضاقتْ، انحصرَ القمرُ في مخبئه العالي واحتارت النجومُ أين ستخبّؤ ضياءها،

عدوٌ هنا وهناك، عسكرٌ يهرولون، جائعون ينتظرونَ موتًا بطيئا أو سريعًا.

-فلنسافر إذًا إلى حينِ عودةِ العسكرُ إلى منازلِهم .

-كيفَ؟ وأين؟

-كما وإلى حيثُ يسافرُ العاشقون، خُذْ هذه العَبوة من ترياقِ الحياة، أودِعْها بيدِ ذاك الجنديّ واعطِه عِقدي وسواري وكلّ ما ملكتَ وما ملكَتْ يداي،

سأضطجعُ جانبَك كما ” جولييت” العاشقة، أتوسّدُ أنا ذراعَك الأيسر وأنت تغفو على يميني ، ثمّ يقدّمُ لنا الجنديّ سُمّا ، لنْ نودّعَ أيّ أحد، أبدًا، لا نريدُ لأحدٍ أنْ يعرفَ سرّنا ووجهتَنا، نموتُ ونسافر.

-ماذا؟ صرخَ بأعلى صوتِه بوجهه الحانق.

-لا تجزَع، سنرحلُ إلى يتوبيا ، مدينة أفلاطون الفاضلة،

نعودُ بعد أن تضعَ الحربُ أوزارَها، سيقدّمُ لنا ذاك الجنديّ ترياقَ الحياة كما سنوصيه تمامًا، هكذا فعلتْ فعلت من قبلُ جولييت، أفهمتَ يا روميو، يا حبيبي، يا قُرّة العين؟

-وكيفَ لجنديّ قاتلٍ أنْ يعيدَنا للحياة؟ هو قاتلٌ لا يؤمَنُ جانبُه.

-لا، أجابتْ بثقة العارفين،

بعد الحربِ يا حبيبي سيعودُ مُثقلًا بالكوابيس، بالدموعِ، ستلاحقُه ظلالٌ كثيرة، كثيرة جدًا، سيحتاجُ حينها للرحيلِ من بِزّته العسكرية، من أهلِه وأقربائه من نفسه وجسدِه، سيحتاجُ للرحيل الطويل، سيحتاجُ ليسألنا عن رحلتِنا، وكيفَ السبيلُ إلى هناك حيثُ كنّا.

-إذًا لنرحلْ يا حبيبتي، تحيا الحياةُ بعد الموت، وليذهبْ الموتُ في الحياة إلى الموت.

شاهد أيضاً

عبد حوراني: يَا قَــابَ رِمْـشَـيْـنِ

 يَا قَــابَ رِمْـشَـيْـنِ شعر: عبد حوراني يا قَــابَ رِمْـشَـيْـنِ مَـا للـحُبِّ لا يَــصلُ أنَـا الْـفَــقـــيْـرُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *