كلمة الدكتور نبيه القاسم في حفل إشهار كتب النّادي التوثيقيّة/27.06.2024
المجلس الملّي الأُرثوذكسي.
نادي حيفا الثقافي
المحامي فؤاد نقّارة وسوزي.
السيد جريس خوري المرافق الدائم والنشيط والمِعْطاء للنادي
الكاتبة صباح بشير
كل النشطاء والعاملين والمُساهمين في نشاطات وفعاليات النادي
الحضور الكرام
لكم جميعا كل الشكر والتحيّات
تُعيدني هذه الوقفة في هذه الأمسية إلى سنوات السبعين من القرن الماضي القرن العشرين عندما كنّا ننتقل من بلدة إلى أخرى نُشارك في الأمسيات الثقافية التي يُلقي فيها شعراؤنا قصائدهم، وقصّاصونا قصصهم، ونُقّادنا دراساتهم، وتُقام الأمسيات الفكرية والسياسية والاجتماعية لمناقشة مختلف القضايا التي تهمّ الناس وتزيد من تعميق وعيهم وثقافتهم. هذا الحراك الثقافي الذي جذّر وعمّق في بناء الحركة الثقافية والأدبية والشعرية الفلسطينية في البلاد وجعلها رافدا مهما من روافد الحركة الثقافية في العالم العربي.
ونحتفل الآن بما قام ويقوم به نادي حيفا الثقافي الذي يُشكّل ظاهرةً ثقافية على مَدار عِقْد ونصف من الزمن استطاع خلالها أنْ يقدِّمّ خيرةَ المبدعات والمبدعين في مختلف المجالات الثقافية والأدبية والفكرية والاجتماعية والفنيّة، وفي السنوات الأخيرة ابتدأ بمشروع “عشق الوطن يجمعنا” بتنظيم الرحلات إلى المناطق المختلفة للتعرّف على معالم الوطن وتنظيم اللقاءات الجَماعية خلال هذه الرحلات، وكذلك القيام بزيارات بيتية لمبدعين لهم مشوارُهم الطويل المُتميز.
كما أنّه استطاع أنْ يحييَ ويحافظَ على أجيال من المهتمين بالثقافة الوطنية، العاشقين للغتهم العربية والراغبين في متابعة كلّ جديد. أشهد أنَّ البعضَ من الحضور الآن كانوا ولا يزالون المُرافقين لكل نشاطات النادي، لم يتغيّبوا عن أيّ نشاط، وأنَّ أعدادا شابة كثيرة كانت مُتردّدة في البداية بدأت تُشارك وتهتمُ وتُثري النشاطات المختلفة.
عشراتُ من المبدعات والمبدعين كان النادي الحاضنَ الأولَ لهم، قدّمهم وأشهرَ كتبَهم وخصصَ لهم أمسياتٍ راقيةً، وكثيرٌ منهم أصبحوا من الأسماء المُشار إليها في عالم الشعر والقصة والرواية.
كما واهتم القائمون على النادي بالفنانين فعملوا على تخصيص الزوايا الدائمةِ للفنانين ليعرضوا لوحاتهم ورسوماتهم وإبداعاتهم خلال الندوات الثقافية.
وكان لهذه الأمسيات أثرُها المهم في تعريف الكلّ على الكل، والمبدعين عل بعضهم وعلى الجمهور الذي يجد نفسَه مُندفعا لقراءة ما يكتبون. هذا التفاعلُ بين المُبدع وجمهور قرائه له أثرُه الكبير في إكساب المُبدع الفرصَ الكبيرةَ لمعرفة ما يدور في فكر الناس واهتماماتهم ورغباتهم كما يحثُّ المبدع على الاهتمام بتطوير أدواته وتعميق أفكاره ليُقدمَ في كل مرة الجديدَ والأفضلَ.
وقد عمل النادي على التواصل مع المُبدعات والمبدعين في الأراضي المحتلة فاستضافهم وخصَّص لإصداراتهم الأمسيات الراقيةَ الغنيةَ واستضاف كبارَ أصحاب الأسماء في مختلف الابداعات، وإذا استعصى على البعض الحضور فكان اللقاءُ يتمُّ بالتّواصل عن طريق الزوم.
وعمل النادي على التواصل مع المبدعين المُقيمين في الشتات والبلدان البعيدة فخصَّص لهم الأمسيات وقُدِّمَت أعمالَهم بكل الاحترام والعُمق وهم شاركوا بأنفسِهم من بُعْد كما حدث مع الناقد فيصل دراج والروائي واسيني الأعرج وغيرهما.
قيمة هذا المشروع الثقافي الضّخم أنّه بدأ عندما كان وطنُنا العربي، وشعوبُنا العربية تغرق في أحلامها الوردية بتفجّر الربيع العربيّ في بلدان العرب، حاملةً كلَّ الأمنيات التي سرعان ما كشفَت عن وجوهٍ وأيادٍ، قد تكون الوحوشُ أرفقَ منها، وجوهِ داعش والنُصرة وغيرها من التنظيمات العَميلة المُموَّلة من الغرباء لتمزيق وطننا العربي وتفريق أبنائه لشرائحَ دينيةٍ وطائفيّة وقبَليّةٍ، فتمزَّق الوطنُ الواحد إلى أوطان وتوزّع الشعبُ إلى شِيَع تُعاني من التشتتَ والغربة والجوع والذلّ.
وسط هذه الأجواء افتتح نادي حيفا الثقافي أبوابَه بنشاطاته المتنوعة وبثبات قويّ على الخط الوطنيّ المُلتزم ليُعطي الأمل “أنَّ في الحياة ما يستحقُّ الحياة”
وتجاوز القائمون على النادي جائحة الكورونا التي أدخلت الناس في جوّ من الخوف والرّعب والتزام البيت، كما هي الحال اليوم حيث يتعرّض العالم وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني لهذه المخاطر المُرعبة التي تُدخل كلّ واحد في دوّامة من القلق والغضب. ورغم ذلك، ومن منطلق المسؤوليّة، يُتابع نادي حيفا الثقافي عطاءه وعمله بمحبّة وتفان وإصرار القائمين عليه، وأخصّ الصديقين فؤاد وسوزي مع كل العاملين معهما، كما كانوا على مَدار السنوات، حيث أصبح النادي الحاضنَ لهذه النشاطات وللمُبدعات والمبدعين وللجمهور الرائع الذي رفض كلَّ ما يأتيه مُنَفّرا كارها حاقدا، وأصرّ على الخط الوطني الملتزم وعلى التمسِّك بوحدة أبناء الشعب الواحد والحفاظ على لغته وثقافته وأدبه وتراثه وتماسكه وإيمانه بأنّ المستقبل لنا .. ولنا سيكون كما نُريدُه. مهما جرى من أحداث وتقلبّات.
شكرا لكم جميعا. شكرا للعزيزين فؤاد وسوزي نقاره وشكرا للصديق أبي الوليد جريس خوري وللصديقة المبدعة صباح بشير ولكم الحضور الكرام.