كلمة الدكتور صالح عبّود في أمسيّة نادي حيفا الثقافيّ 15.05.2025

كلمة الدكتور صالح عبّود في أمسيّة نادي حيفا الثقافيّ 15.05.2025
رحلة عطاءٍ
هَلْ أَخْلَفَتْ في وَعْدِها أَسْماءُ وَاسْتَبْشَرَتْ لِفِراقِنا تَرْتاءُ
فَسَّخْتِ فينا أُلْفَةً مَوصولَةً يَرْضى بِها الأبناءُ وَالآباءُ
ما بالُ قَلبِكِ ساخطًا مُتَبَرِّمًا عاثَتْ بِهِ الأَكْدارُ وَالأَهْواءُ
لَوِّعْتِ فينا روحَنا فَأَخالُها تَلهو بهِا العِلّاتُ وَالأدْواءُ
يا نَكْبَةً فَرَّقْتِني عنْ مَنْبَتي وَغَرَسْتِني في غَضْبَتي أَسْتاءُ
لَولاكِ حَيفا ما بَرِئْتُ وَسَرَّني نَفَسٌ يَجوسُ مَنافِذي وَهَواءُ
فَحنينُ حَيفا مُقْبِلٌ لا يَنْتَهي وَنَسيمُها في مُهْجَتي إِبْراءُ
أَمْواجُ حَيْفا عُلِّقَتْ كَتَمائِمٍ في جيدِها وَالكَرْمِلُ العَلْياءُ
بِخَميسِها في لَيْلَةٍ مُزْدانَةٍ جادَتْ بِها بِقَرائِحٍ شُعَراءُ
وَفؤادُها عِنْدَ المَساءِ مُشَمِّرٌ عَنْ ساعدٍ سوزي بِهِ الغَرّاءُ
وَرِجالُها بِكَنيسةٍ مَأْنوسَةٍ أَمِنَتْ بِها إذْ آنَسَتْ وَنِساءُ
وَعطاءُ نادٍ في سِنينٍ قَدْ خَلَتْ بِبَشيرِها وَصَباحِها الإِثْراءُ
أَعْوامَ فَيْضٍ في زَمانٍ شُحُّهُ بَيْنَ الأَنامِ جَهالَةٌ وَخَواءُ
وَبلادُ أُمّي بِالدِماءِ تَسَرْبَلَتْ وَالدّارُ قَفْرٌ أَحْمَرٌ وَعَراءُ
لولاكِ حَيفا ما عَزَفْتُ قَصيدَتي بِرَبابَةٍ تَنْتابُها الأَرْزاءُ
وَالعَودُ حَيْفا فَاسْمعوا لي قالَةً مَنثورَةً في رَأْسِها الطُغْراءُ
السيّدات والسادة..
خلتِ الأعوامُ الخوالي منَ المجامعِ الأدبيّةِ الرصينةِ السَّنِيَّةْ، خلا ما انتظَمَتْ مِنها نِظامًا تعهّدتهُ أَيادٍ جَديرةٌ وَفِيّةْ، وفي رحابِ عطاءِ نادي حيفا الثقافيّ وظلالهِ الوارفةِ العليّةْ، ومعَ إشراقاتِ خميسيّاتِ الوعي والأدبِ والفكرِ النديَّةْ، تتوضَّحُ المعالمُ وتنمازُ الهُويّة، وتتجذَرُ فسائلُ الإبداعِ في التربةِ الحيفاويّةْ، فتسمو زرعًا عريقًا بعراقةِ الأبجديّةِ وثقافةِ العربيّة..
معَ مسائيّةِ كلِّ خميسٍ، نتنزّهُ في عقولِ الألبّاءْ، ونكتسي السماءَ عباءةً أقمارُها وشموسُها الكلمات الحسناءْ، نناقشُ… نناورُ الذاكرةَ معَ النصوصِ وتضاعيفِها بعينٍ ثاقبةٍ نجلاءْ، فننجزُ مشروعًا وطنيًّا يُسكتُ النسيانَ، ويصونُنا منَ الموتِ في عُرفِ الأحياءْ..
السيّداتُ والسادة..
لستُ قانعًا بكلّ ما نظمتهُ ونثرتُهُ وأسمعتكم إيّاهُ الساعةََ، فعطاءُ نادي حيفا الثقافيّ، ونميرُ المجلسِ الملّيّ الوطنيّ الحيفاويّ عصيٌّ ممنوعٌ معصومٌ عن الوصفِ والنعتِ والمحاكاةِ بالكلماتِ، وإنْ حُشِدَتْ حَشْدًا، فالربيعُ الثقافيُّ الذي فرشتموهُ بساطًا حيفاويًّا فلسطينيًّا عربيًّا إنسانيًّا تحت هذه القبّةِ اليوحانيّةِ المقدّسةِ، موصولٌ دائِبٌ لا يَفْتُرُ ولا يَبْتُرُ ولا يَهْرَمُ ولا يُتَّهَمُ بِشِيَةٍ أو هَنَةٍ منَ الهَناتْ..
لعلّي لا أطيقُ للنادي شُكرًا وثناءً، وبالغُ الشكرِ ما أعفَيناه وأسقطناهُ عنّا اسْتيفاءً، وأبلغُ الخطباءِ في مَذْهبي من كانَ صَمتهُ كلامًا منهُ على استحياءْ.. فشكرًا يا منارةً.. تُضيءُ، تُلهِمُ، وتُقاوِمُ الظلامَ بشموعِ عطاءِ الفضلاءِ الصادقينَ الخُلصاءْ.
تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.