فؤاد مفيد نقّارة: حزيران الذي لا ينتهي، وشظايا الذّاكرة.

فؤاد مفيد نقّارة:

حزيران الذي لا ينتهي، وشظايا الذّاكرة.

 

كتاب “حزيران الذي لا ينتهي – شظايا ذاكرة 1967-1982” للدكتور عادل الأسطة، صدر عن الرّقميّة – من فلسطين إلى العالم (2018م) ويقع في (197) صفحة من الحجم المتوسط، أمّا غلافه فقد صمّمه الفنّان رمزي الطّويل.

في فعل أمين للتّذكّر، يقدّم الكاتب ذكرياته القريبة من السّيرة الذّاتيّة والجمعيّة، في فترة زمنيّة مؤثّرة، انطلق منها ومن مراحل طفولته وحياته العائليّة؛ ليستعيد اللّحظات والتّفاصيل الكثيرة، التي جاءت في حلقات أدبيّة، قام بكتابتها ونشرها على صفحات الفيسبوك، ثمّ عمل على إصدارها (م2016) في كتاب رقميّ بعنوان: “حزيران الذي لا ينتهي: شظايا سيرة 1967-1982”.

هذا العنوان هو محور الحديث في تفاصيل هذه القراءة المتأنّيّة لسيرة ارتبطت بمكان وزمان، وسجّلت الأحداث التاريخيّة، فالكتاب يجمع بين السّيرة الذّاتيّة والغيريّة وسيرة المكان، والأدب السّياسيّ والاجتماعيّ للوطن، وفيه ما يستحقّ التّسجيل والتّوثيق.

يتحدّث الكاتب عن عودته إلى نابلس، وصعوبة العثور على وظيفة مناسبة، ثمّ العمل في التّدريس بفرح ومتعة وخدمة وطنيّة واخلاقيّة، على أن يتم تثبيته لاحقا بموافقة الإدارة المدنيّة المحتلّة، وهذا بعد أن استدعته المخابرات العسكريّة، ولاقى ما لاقاه من معاملة جافّة وساديّة.

خلال عمليّة استرجاع الذِّكريات وما يصاحبها من ظروف المكان والزَّمان، يصف الكاتب كيف أصبح الفلسطيني “ممزير” و “بن زوناه” مثل أبناء أم حاييم، يحكي عن ملامة أبناء مخيّم عسكر وحصارهم بسبب رفضهم للاحتلال وتظاهرهم وقذفهم للحجارة. “لقد أطال الإسرائيليون السّهر معنا، مازحونا ونادوا على الرّجال- كل من بلغ الرّابعة عشر عاما وحتى سن الخمسين- ليخرجوا إلى الشارع الرّئيس قرب الجامع، وكلّ من يعصِ الأمر يعاقبّ”. وهكذا يبدأ الطّقس اللّيليّ الطّويل، الذي يستمرّ حتى الصّباح؛ لنحيا معه مجموعة من اللّيالي الملاح!

يتطرّق الأسطة لعلاقته مع الشاعر أحمد دحبور التي بدأت عام (1979م)، والذي يعتبره المبدع الثّاني بعد المبدع الأول محمود درويش، ثمّ ينتقل بحديثه إلى الخروج من الجنّة بعد أن وصف حياة المخيّم والقتال فيه، واليأس من العودة، “خرجنا من المخيّم ولم يخرج منّا”، وبحسب الكاتب، أين سيذهب اللاجئون، إلى الجنّة أم إلى النّار؟ فبعد امتلاء الجنّة والنّار، لم يعد هناك متّسع لأيّ أحد، ولا حتى لبناء مخيّم آخر جديد.

يتطرّق إلى عملية انصهار اللّهجات لأبناء المخيم، واختيار مقاومة الاحتلال بالثّقافة، ويتحدّث عن جناية الفصيل على الشعب الفلسطينيّ، وذلك بالانتماء المتمثّل بالتّبعيّة والحرص على مصلحة الفصيل دون غيره، حتى لو تعارض ذلك مع الصّالح العام للوطن، مُترتّبا على ذلك العديد من النتائج السلبيّة؛ كالتعصّب الأعمى للفصيل والصّراع، وتفكيك المجتمع، وذلك لتعصّب كل فئة لمصالحها ووجهات نظرها على حساب بقيّة الفئات، وتفضيل الفصيل لأعضائه دون الاكتراث لكفاءة المرشّح. “كان المرشح المقابل لي عاملا لم ينه الصّف الخامس”.

 اعتبر اليساريون أنفسهم في قمّة الوعي، إلى أن جاء اليوم الذي اكتشفوا فيه قلّة تبصّرهم ووعيهم، بعد أن ردّدوا كالببَغاوات أفكار غيرهم. “كنت مثل ببغاء يكرّر أفكار غيره دون أن يسائلها، أكثر اليساريين تحوّلوا، واكتشفوا أيضا أنّهم كانوا ببغاوات”، ويعود الكاتب إلى التّاريخ الفلسطينيّ حيت توالي الحكم على البلاد خلال قرن من الزّمان، بدءا من الحكم العثماني ثمّ البريطاني مرورا بمرحلة الانتقال الأردنيّة، ثمّ الاحتلال وبناء إسرائيل بأيدي أبناء الدّاخل (48) وأبناء الضّفة، وحرب (1982م) والخروج الفلسطينيّ إلى المنافي الجديدة، وصولا إلى السّلطة الفلسطينيّة، وتبعات ذلك على موظّفي الدّولة والمتقاعدين، وإقبال القوم على البضائع الإسرائيليّة وتفضيلها على المحلّي، “لا يريدون إلا البضائع الإسرائيليّة، لم أسأله إن كان هذا بندا من بنود اتفاقيّة (أوسلو)”.

 ينطلق بذكرياته إلى بداية الكتابة والنّشر عام (1976م)، وافتقار السّاحة الأدبيّة في الضّفة الغربيّة إلى الكُتّاب في حينها، يصف كُتّاب ما بعد (1976م) بكتّاب فراغ، كتبوا ونشروا، وسرعان ما انسحبوا من المشهد الأدبيّ.

يستذكّر دراسته لنيل اللّقب الثّاني “الماجستير” في عمّان في الفترة ما بين (1980 – 1982)، بعد أن تمّ رفض طلبه للعمل في جامعة النجّاح، فهو لم يكن صاحب حظوة، ولا صاحب رصيد أدبيّ. هذا بعد كتابته لبعض المقالات بأسماء مستعارة: “عادل الرّاوي” و “عادل بلاطة.”

القسم الأجمل في الكتاب هو تعلّق الأسطة بالنّقد ومشاركاته الأدبيّة في الأعوام (1976 – 1980) وكتابة المقالات الأدبيّة، وتقديم رسالة الماجستير حول القصة القصيرة، وزيارة حيفا لتتبّع ما نُشر من قصص قصيرة في الصّحف والمجلّات من الاتحاد والجديد والغد.

كما جاء في كتابه على ذكر كوكبة من مبدعي الأدب والشعر، أذكر منهم الأسماء التّالية:

تمّ ذكر كلّ من محمود درويش: 49 مرّة، فدوى طوقان: 24 مرّة، إميل حبيبي: 22 مرة، غسّان كنفاني: 17 مرة، سميح القاسم: 14 مرّة، عبد اللّطيف عقل وسحر خليفة: 11 مرة، أحمد دحبور : 8 مرّات، وتمّ ذكر توفيق زيّاد، الطّيب صالح، بدر شاكر السّياب، نجيب محفوظ: 5 مرّات، راشد حسين وخليل السّواحري وغريب عسقلاني: 4 مرّات، معين بسيسو، نجاتي صدقي، توفيق الحكيم، محمد البطراوي، إبراهيم طوقان، سميرة عزّام، محمود شقير، طه حسين، أكرم هنية وشوقي :3 مرات، فوزي البكري، ناظم حكمت، سالم جبران، سامية عيسى، عادل سمارة، جورج طرابيشي، علي الخليلي، حنّا إبراهيم، الجاحظ، الياس خوري : مرّتين،  أبو العلاء، يوسف الخطيب، علي فودة، توفيق صايغ، أنيس صايغ، إسماعيل فهد إسماعيل، زياد خدّاش، سعيد الزّين، عفيف سالم، يعقوب حجازي، الطّاهر وطّار، الشّنفرى، سلمان ناطور، محمّد علي طه، سعاد العامري، أنطون شلحت، قدري طوقان، حسين البرغوتي، خليل توما، محمد عبد الحليم عبد الله، المنفلوطي، أسعد الاسعد، يحيى يخلف، صادق جلال العظم، عبد الرحمن منيف، سعد الله ونوس، جمال أبو حمدان، حلمي الزواقي: مرّة واحدة .

في النّهاية هو كتاب قيّم، نشكر د. عادل الأسطة على كلّ هذا الجهد والإهداء الجميل.

 مع خالص التّقدير.

 

 

شاهد أيضاً

عدلة شدّاد خشيبون: فؤاد مفيد نقّارة في صيده وصنّارته

عدلة شدّاد خشيبون فؤاد مفيد نقّارة، في صيده وصنّارته صيّاد.. هو ذاك الذي يحمل بيده …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *