صباح بشير
رواية “دروب العتمة”
رحلة في دهاليز الذّاكرة
هذه قراءة مختصرة ولمحة خاطفة عن رواية “دروب العتمة” للكاتب محمد نصّار، الصّادرة عن مكتبة سمير منصور في مئتين وثماني صفحات.
تبحر بنا هذه الرّواية في دهاليز الذّاكرة، تغوص في أعماق النّفس البشريّة؛ لتكشف لنا أسرارها المظلمة وأضواءها الخافتة، وتبرز لنا هشاشة البشر وقوّتهم في آن واحد.
يجسّد الكاتب من خلالها رحلة إنسان يصارع ذكرياته، ويواجه عتمة ماضيه، باحثا عن بصيص أمل ينير دروبه المعتمة، فهل نجح في التغلّب على ظلمة ماضيه، أم أنّ العتمة أحاطت به إلى الأبد؟
تلك الأسئلة الّتي يثيرها هذا العمل، تدعونا إلى قراءة يتداخل فيها الواقع بالخيال، وتتشابك فيها الأسماء والأحداث والأماكن الحقيقيّة، لتزخر بالألوان والحكايات، فكلّ اسم وكلّ مكان وكلّ حدث في هذا العمل، هو بمثابة نافذة تُطلّ على صفحات الماضي، تجسّد صراع الفلسطينيّ مع واقعه المرير، وتصوّر عزيمته وإصراره على الصّمود، وتصف مختلف جوانب الحياة الغزّيّة، وذلك بلغة تلامس القلوب، وسرد مُثقل بالأحزان والمآسي، وعتمة طالت كلّ شيء، حتّى الدّروب.
العتمة، مرآة للرّوح:
تُعدّ العتمة من أبرز الرّموز الأدبيّة الّتي وظّفها الأدباء على مرّ العصور، للتّعبير عن طيف واسع من المعاني والدّلالات. في هذا النّصّ الرّوائيّ، تحمل العتمة في طيّاتها عمقا رمزيّا يتجاوز كونها مجرّد حالة من الظّلام، بل تمتدّ لتشمل جوانب نفسيّة واجتماعيّة وفلسفيّة أعمق، يوظّفها الكاتب؛ ليعبّر عن الواقع الّذي يعيشه النّاس.
يشير العنوان “دروب العتمة” إلى دلالات تجسّد مضمون العمل وأفكاره الرّئيسيّة، ومن أهمّ هذه الدّلالات:
-
العتمة كواقع معاش: هي سيف ذو حدّين، فهي من جهة تمثّل استسلاما لليأس والقنوط، ومن جهة أخرى، هي رمز للصّمود والتحدّي، تؤكّد على أنّ الأمل ما يزال موجودا في قلوب النّاس؛ لتحقيق مستقبل أفضل.
-
العتمة كمسار نحو النّور: وهنا لا تمثّل العتمة في العنوان نهاية مغلقة، بل هي بداية لرحلة جديدة نحو الضّوء والخروج من الظّلام.
-
دروب العتمة كمسرح للحياة الواقعيّة: لا تقتصر العتمة على الظّلم والقهر فحسب، بل تمتدّ لتشمل مختلف جوانب الحياة بكلّ ما فيها من تناقضات وتحدّيات وآمال وتجارب، إنّها ليست مجرّد ظلام دامس، بل هي مسرح تنكشف عليه أحداث الحياة بكلّ تعقيداتها وتنوّعها.
-
الجهل والغموض: غالبا ما ترتبط العتمة بالجهل وعدم المعرفة، حيث تمثّل صعوبة رؤية الحقيقة. يمكن أن تدلّ على الغموض الّذي يحيط بشخوص العمل أو الأحداث الّتي مرّت عليهم، وأدّت إلى عدم يقينهم بشأن المستقبل.
-
الخوف والمخاوف: العتمة تثير في النّفس مشاعر الخوف والقلق، فهي بيئة خصبة لتكاثر المخاوف والظّلال، وهي تمثّل المخاوف الدّاخليّة الّتي يعاني منها شخوص العمل، أو الخطر المحدق بهم من الخارج.
-
الحزن والكآبة: غالبا ما ترتبط العتمة بالحزن والكآبة واليأس، فهي شّعور بالفراغ، يعكس حالة نفسيّة سلبيّة متوتّرة.
-
الشّر والظّلام: ترتبط العتمة بالقوى الدّاكنة (الآخر)، فهي تمثّل النّقيض للنّور والحياة.
-
الموت والفناء: ترتبط العتمة بالموت والفناء، فهي تجسّد نهاية الحياة وغيابها، يمكن أن تكون رمزا للمجهول الّذي يحيط بالموت أو الخوف من الزّوال.
-
الضّياع والانعزال: يمكن أن تعبّر أيضا عن الشّعور بالضّياع، ويمكن أن تكون رمزا لفقدان الاتّصال بالآخرين أو بالذّات.