صباح بشير
تطوّر الفنّ الرّوائيّ والقصصيّ عند حنان الشّيخ (1970-2005)
دراسة ثيماتيّة وشكليّة
هدية ثمينة من صديقة عزيزة
أمسكتُ بين يديّ هديّة ثمينة من صديقتي العزيزة الدّكتورة رباب سرحان، وهي دراستها الجديدة التي صدرت حديثا عن مجمع اللّغة العربيّة بعنوان: “تطوّر الفنّ الرّوائيّ والقصصيّ عند حنان الشّيخ (1970-2005)، دراسة ثيماتيّة وشكليّة”.
لم أتمكّن بعد من قراءة الدّراسة كاملة، لكنّني تصفّحتها بشغف ولهفة، تاركة عينَيّ تتنقّلان بين سطورها كمن يبحث عن كنوز دفينة، شعرت وكأنّ حروفها تهمس في أذني حكايات لم أسمعها من قبل، وتكشف لي أسرارا عن عالم حنان الشّيخ الرّوائيّ السّاحر.
أدركت من خلال تصفّحي السّريع أنّ هذه الدّراسة ستكون بمثابة بوصلة تقودني لفهم أعمق لتجربة حنان الشّيخ الإبداعيّة، واكتشاف التطوّرات التي مرّت بها على مدار العقود الماضية، وأنا على يقين أنّني سأمضي ساعات طويلة أتذوّق فيها كلمات د. رباب، وأتعمّق في تحليلاتها، مستمتعة برحلة أدبيّة في رحاب إبداعات الأديبة حنان الشّيخ. فشكرا جزيلا للصديقة العزيزة د. رباب سرحان على هذه الهديّة القيّمة، سأقرأ بشغف دراستها كاملة؛ لأكتشف ما تحمله بين ثناياها من كنوز معرفيّة وإبداعيّة.
تتبع هذه الدّراسة مختلف الطّروحات التي تناولتها الشّيخ في أعمالها، سواء كانت اجتماعيّة، أو سياسيّة أو تاريخيّة أو ذاتيّة، وتهدف إلى الوقوف على أبرز الموضوعات والقضايا التي شغلت الكاتبة في تلك الطّروحات، والكشف عن العلاقة بين الشّكل والمضمون في نصوصها الأدبيّة، وفهم تطور الفنّ الرّوائيّ والقصصيّ عندها خلال الفترة المحدّدة.
اعتمدت سرحان منهجا توفيقيّا شاملا، يستند إلى معايير مستمدّة من المدرسة الواقعيّة والشكليّة والبنيويّة والسيميائيّة، بالإضافة إلى المنهج الاستقرائيّ التّحليليّ، وتقول: تنطلق هذه الدّراسة من فرضيّة أنّ الأدب الحديث قد وثّق العلاقة بين الشّكل والمضمون، وأنّ أي دراسة للنّص تقتصر على أحدهما دون الآخر، تكون ناقصة، لذلك، تعمّقت في تحليل أبرز التقنيّات الفنيّة والأسلوبيّة التي وظّفتها الشّيخ للتّعبير عن تلك القضايا.
رحلة إبداعيّة في ثلاثة فصول:
تتوزّع هذه الدّراسة على مقدّمة وثلاثة فصول وخاتمة، تأخذنا في جولة عميقة لفهم تطوّر فنّ الأديبة الشّيخ الرّوائيّ والقصصيّ خلال الفترة المذكورة.
في الفصل الأوّل، تُرسي الباحثة الأساس لفهم إبداع الشّيخ، وذلك من خلال استعراض البيئة الأدبيّة التي نشأت فيها، تبدأ برصد نشأة الفنّ القصصيّ في لبنان، مُعرّفة بأهمّ روّاده ومميّزاته، ثم تتناول تأثير الحرب الأهليّة اللّبنانيّة على هذا الفنّ، ودور الشّيخ في تشكيل رواية جديدة شكلا ومضمونا، كما وقفت على الأدب النّسائيّ في لبنان، وعلى إسهامات الكاتبة اللّبنانيّة بشكل عامّ في مجاليّ القصّة القصيرة والرّواية. تُقدّم بعد ذلك نبذة عن حياة حنان الشّيخ، وميّزات عالمها الرّوائيّ الخاصّ، مُعرّفة بها من خلال التطرّق إلى حياتها ونشأتها وثقافتها ونتاجها الأدبيّ، وتقدم عرضا أوليّا لمكانتها الأدبيّة.
يسلّط فلك البحث الرئيسيّ الضّوء على الفصلين الثّاني والثّالث، وهما الفصلان التّطبيقيّان. يُشكّل الفصل الثّاني من الدّراسة رحلة عبر ثنايا الأفكار والمعتقدات في أعمال حنان الشّيخ.
تكشف الباحثة النّقاب عن الموضوعات والمسائل التي تُلِحّ على الكاتبة، وتُحلّل حرصها على تناولها بشكل مُتكرّر في أعمالها.
أمّا الفصل الثّالث، فيُسلّط الضّوء على المستوى الفنّيّ لأعمال الشّيخ، مُتعمّقا في الأساليب الفنّيّة والتقنيّات النّصيّة التي اعتمدتها في معظم أعمالها الأدبيّة.
تشرح الدّراسة كيف وظّفت الشّيخ تلك التقنيّات للتّعبير عن المسائل والقضايا التي طرحتها. كما اعتمدت سرحان في هذين الفصلين على منهجيّة دقيقة، حيث قامت بدراسة النّصوص المدروسة ومناقشتها من مختلف الجوانب.
تناولت في مناقشتها تحليلا طوليّا وعرضيّا، من مجمل الأعمال الأدبيّة إلى الفكرة العامّة، وصولا إلى النّصوص التمثيليّة.
في الخاتمة، تُلخّص الدّراسة الحالتين الفكريّة والجماليّة في أعمال الشيخ، وتُقيّم مدى تطوّر وتجديد أسلوبها على المستوى الثيماتيّ، وتناقش أيضا مدى انفتاح الشّيخ على أشكال الرّواية الحديثة، وتقيّم مساهمتها في تطوّر الأدب اللّبنانيّ والعربيّ، مستندة إلى مراجع غنيّة ومتنوّعة، شملت دراسات عامّة عن وضعية الأدب اللّبنانيّ، ودراسات عينيّة خاصّة بأدب حنان الشّيخ.
تُؤكّد الباحثة أنّ رحلة البحث عن دراسة شاملة تُحيط بنتاج حنان الشّيخ الرّوائيّ والقصصيّ لم تكن مُيسّرة، فالكثير من الدّراسات الأدبيّة التي تناولت أدبها ركّزت بشكل أساسيّ على الجانب النّسويّ، ممّا دفعها إلى السّعي من خلال دراستها هذه إلى سدّ الفراغ الموجود في المكتبة النّقديّة المعنيّة بأعمال الكاتبة، وإثراء مسيرتها الإبداعيّة بجديد لم يُطرق من قبل، وتقديم مساهمة هامّة في فهم وتقدير أعمالها كإحدى أهمّ الكاتبات العربيّات المعاصرات.
ختاما، فهذه الدّراسة تتميّز بأسلوبها المنظّم، وتحليلها الدّقيق، ولا شكّ أنّها ستُثري المكتبة العربيّة، وستكون مرجعا هامّا للباحثين والدّارسين في مجال الأدب العربيّ الحديث.