سلمى جبران: الفنّانة سامية قزموز بكري

تقديم الشّاعرة سلمى جبران للفنّانة سامية قزموز بكري

في الأمسية التّكريميّة التي أقيمت في نادي حيفا الثّقافيّ بتاريخ 10.04.2025

 

هيَ اسمٌ عندما أسمعُهُ تتحرّك مشاعري نحو الإنسان والأرض، نحو الماضي والحاضر ونحو المحبّة ومشاعر الانتماء، وتصِل إلى عكّا وتحطّ رِحالَها في زاروب عكّا لتعيشَ عَبَقَ الذاكرة ولتحيا في زمانٍ يتحدّى الزمان وفي مكانٍ يعلو على المكان.
رحِّبوا معي بالفنّانة سامية قزموز بكري!
تبدو أحاديثُها وأدبيّاتُها، بمُعظمِها، مناجاة للمكان وللزمان حيثُ تعيشُهُما بكُلّ جوارِحِها. كُلّ نصوصها: مونولوج وقصّة وشعر، تحمل روحًا مفعمة بالحنين والشوق المتدفّقَيْن من تفاصيل عاشَتْها: بساطتُها عميقة وتناجي الوجود والواقع والحلُم.
في قصّة شيخ البير، مثَلًا، تصغي سامية بِتقوى المتصَوِّفة إلى كلّ ما في عكّا وتُحوِّلُهُ إلى كلّ ما في الكَوْن! وتسترسِل سامية في سَرْدِها كالمياه الجارية بهدوء وتصِل إلى عُمقِ الأرض فيعلو هذا العُمْق إليْها!
مونولوجات سامية مُشبَعَة بمشاعِر الحُزْن على فُقدان أبسط الأُمور، وبالفَرَح والتهليل لبقاء أبسَط الأمور. يمتزِجُ في حديثِها الخيال بالواقع والماضي بالحاضر، فتتكوّن لَحَظات ساحرة تُغيِّر وجهَ التاريخ. تُحوِّل سامية زاروب عكّا إلى مكان في مركز الدنيا، وتحكي عن بحر عكّا وتتغنّى به وترى أنَّ صوتَ البحر يزغرِد ليُصحّي الكَوْن. ما أجملَ هذه الروح!
في نصّ “بارك كندا الحقيقة” تتجلّى مشاعر تتحدّى الكلمات وتجتازُها وتَرسُمُ، بدراميّة مُبْهِرة، وَطَنًا في الغربة، يعيشُ ويرقى في قلبِ المغتربين!
ولا أجمل وأعمق من مشهد تقبيل خشَبَة المسرح ووصف الرهبة والرعشة التي تكتنفُها في اللحظة التي تبدأ أقدامُها تطأُ عليها، وبعدَها تتحوَّلُ الخشَبة عالَمًا زاخرًا بالماضي والحاضر والمستقبل! المسرح وسامية قزموز بكري تَوْأمان يمتلآن بالحياة والحُبّ!
في وقفة مع الذكريات، في نصّ “عمى”، يختلط الإنسان مع الزمان والمكان في عكّا فتكون الحياة فيها دراما وتتحوّل الدراما إلى حياة! وتقول: “هنا على بوّابةِ المينا تَرَكْتُ طفولتي!”
وقرأْتُ أيضًا مشاهد مسرحيّة من عكا القديمة عنوانها “هذا البحرُ الروح” تُعيدُ مجدَها وتُحْييهِ قصورًا وتبني فَناراتٍ شاهقةً بأسلوبٍ شعريّ يُحيكُ تفاصيلَها فتُصبِحُ أحجارُها حيّة.
مشهد: “ذهبَتْ إلى موتِها راقصة”، تحكي: أقتبِس، ” اختي سناء…ابنة خمس سنوات…ذهبت سناء إلى موتِها راقصة”. كانت سناء ترقص على شطّ الغربي وعندما قفزَتْ على سِنِسْلِة السور همَّتْ بعبور السور فَرِحة خبطَتْها سيّارة شحْن عمياء ولفّ فستانُها الليلكي على عجلات السيّارة فتسجَّت بقربه عصفورًا بلا حِراك…”، وفي المقطع الأخير اقتبِس: “دَفَنَ البكاءُ في حشاشة قلبي عُمْرًا… لم تكبُر سناء أختي الطفلة معنا…ولو قُدِّرَ لها العَيْش لَرَقَصَتْ اثنين وخمسينَ عامًا…” انتهى الاقتباس بدَفْقٍ من المشاعر لا يتوَقَّفْ!

الفنّانة سامية لكِ الحُبّ ولكِ الحياة!

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

علاء الأديب: الحسّ الأنثوي في رواية “رحلة إلى ذات امرأة” للروائية المقدسية صباح بشير

علاء الأديب  الحسّ الأنثوي في رواية “رحلة إلى ذات امرأة” للروائية المقدسية صباح بشير   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *