رنا أبو حنا: “صيّاد.. سمكة وصنّارة”
رنا أبو حنا: “صيّاد.. سمكة وصنّارة”
أَن تَمخُرَ عباب بحرٍ مع “صيّاد.. سمكة وصنارة” يعني أن تقرأ “فؤاد نقارة”.
ها هو المحامي المثقف رئيس نادي حيفا الثقافي، يحركه الشغف فيسقط بعضًا من ذاته ومن أفكاره الهائجة فوق البحر المتوسط ، ما بين عكا مسقط رأسه وحيفا مسكنه ومسرح ابداعاته ونشاطاته.. يسقطها على أوراق لتدوّن في كتاب يقارب المئتي صفحة من تحرير وإشراف الكاتبة والناقدة صباح بشير ومن إصدار دار الشامل للنشر والتوزيع في نابلس فلسطين.
ولا عجب أن يهدي “فؤاد” كتابه الى والده الحبيب “مفيد نقاره” وهو الابن البار الذي نشأ وتربى في كنف عائلة مُحبة.. وعندي شخصيًا بقايا رذاذ من ذكريات الطفولة والصبا في ذلك البيت الدافئ الجميل.
يستنطق “فؤاد نقارة” ذاته ويسترجع ذكرياته ليروي حكايات ومغامرات وعِبَر من شاطئ الصيد تحملُ زبد البحر وعجائبه.. وكأني به يقاسِمنا ما يشعر حين يقف أمام ذاك البحر المثير؟ ولكل مهنة نهفاتها ولكل هواية مغامراتها.
تُباغت التجربة “فؤاد”، تحاوره، ليسحب الشبكة المحملة بالصيّد الوفير.. فيكتب “الصيّاد” لنفسه أكثر مما يكتب لغيره!! ويقدّم لنا زخم البحر وأسراره في كتاب ينطق دون أن نقرَأه.. يدعونا لولائم “الأسماك” وفاكهة البحر وأصدافه الغريبة المزينة بعصارة الحبر وألوان الصور.. لأنّ الحبر والصور لا يكتمان سرًّا كما يقال!! ولو نطقَت جميع كائنات البحر لما تركَتْ أحدًا إلا أرغمته على البوح بصدقٍ عن عوالمها وأسرارها..
“…كل صخرة هي حرف، وكل بحيرة هي عبارة وكل مدينة هي وقفة فوق كل مقطع وفوق كل صفحة لي هناك دائمًا شيء من ظلال السحب أو زبد البحر …”
هكذا قال “فيكتور هوجو”.
أما “إيليا أبو ماضي” فإنه في “الطلاسم” يقول:-
“إنّ في صدري، يا بحر، لأسرار عجابا
نزل السّتر عليها وأنا كنت الحجابا
ولذا أزداد بعدًا كلّما ازددت اقترابا
وأراني كلّما أوشكت أدري…
لست أدري!”
ليس هذا فحسب بل يعرفنا “فؤاد” على هواية أخرى هي جمع الطوابع البريدية. الهواية التي تفوح برائحة الزمن وعبق عوالم الآباء والأجداد.. وتقفُ في مواجهة عنيفة مع النسيان والاندثار على ضوء التطور التكنولوجي بعد أن تخلى الناس عن البريد التقليدي وتحولوا الى وسائل الاتصال الحديثة عبر الانترنت والهاتف.
نعم، في “صياد..سمكة وصنارة” عُدتُ بالذاكرة إلى مجلة “المعرفة” التي كانت تصدر في سبعينيات القرن الماضي في مصر والتي حفظت لنا ولأجيالنا ثراء ومعلومات من أزمنة فاتت عن مواضيع علمية ثقافية ورسوم توضيحية ومن بينها التعرف على عالم الأسماك والبحار ومعالم الطبيعة والطوابع وغيرها.
وبعد، يحضرني الشاعر الصديق “ماجد أبو غوش” في قوله:-
״غدًا
عندما تنتهي الحرب،
سنجر خلفنا
ما تبقى
من أمتعة
و أحباء
وأشلاء
ونعودُ إلى
مدن السواحل״
شكرًا عزيزي فؤاد، دُمتَ لنا في مدينة الساحل “حيفا” بحر عطاء وعنوان خير وسلام.
تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.