روزلاند كريم دعيم: كتاب “صيّاد.. سمكة وصنّارة” للأستاذ فؤاد مفيد نقّارة
حين ترى الكتاب تكاد تشمّ رائحة المتوسِّط وتشعر بنسيمه وصوت امواجه تتلاطم فتتخيّل ما يحمله من كنوز.
رغم جميع النصوص الموازية والقراءات والتظهير، إلّا أنّ القارئ يبقى فيما يراه من صورة الغلاف التي تأخذنا إلى فضاءات وأعماق، تتوسّطها ابتسامة رجل القانون بلباسه الرسميّ الذي تنسجم ألوانه مع لون فضاء الصورة، يحمل الصنّارة بثبات ليقول: أنا هنا… نحن هنا… أنا ابن البحر أنا الصيّاد وأنا حامل راية القانون والثقافة.
لم أتحرّر في هذا الغوص من استرجاع ذكرياتي الخاصّة كابنة بحر، عاشت وعايشت تجارب الصيد في طفولتها ولها تجاربها وذكرياتها الخاصّة. وهذا ما تأكّد لي لاحقًا بعد الانتهاء من قراءة الكتاب.
كتب عاشق أسرار البحر في الإهداء “… وإلى كلّ من وجد فيه رحلة لاكتشاف الذات ولوحة من الجمال الإلهيّ”، فلولا الجمال الإلهي لما غصنا في أعماق أعماقنا وما اكتشفنا ذواتنا.
أمّا التقديم فهو كشف لعلاقة المؤلّف الخاصّة مع البحر وكلّ ما تحمله من شغف وذكريات ومعلومات وأسرار وكنوز تبلورت من تجاربه ورحلاته وذكرياته التي أدّت إلى فهمه كنه الاستدامة.
حكايات من شاطئ الصيد؛ عناوين تجارب في السيرة الذاتيّة مزيّنة بصور عاشق أسرار البحر، أسماك البحر وأحيائه. الاستدامة بقيمتها العليا والمضافة تتجلّى في أسماك البحر بأسمائها وصورها وتفاصيلها ومذاقاتها ومخاطرها، ولا بدّ من تجربة المؤلّف الشخصيّة مع كلّ سمكة، بالإضافة إلى صورة أو أكثر للسمكة وصائدها.
أمّا عن أسماء الأسماك وصورها فلي ذكرياتي الخاصّة كابنة بحر؛ هذه السمكة أحب طعمها وهذههذه السمكة أحب طعمها وهذه السمكة أفضّلها على غيرها، هذه اصطادها والدي وهذه اصطادها فلان، وقصص وحكايا وتداعيات يتوّجها سمك المرمور، لينتهي هذا الفصل بدرس واضح في الحفاظ على الحياة البحرية.
أحياء بحرية أخرى؛ أخذني هذا الفصل إلى عالم الأدب والحياة، فكم من مرّة وجدنا ترّسة على شواطئ حيفا، وكم من قصّة حكينا وقرأنا عن نجمة البحر، وكم من قنديل بحر يستدعينا لكتابة قصص موازية. جميع الكائنات في هذا الفصل دون استثناء رأيتها، على الطبيعة وعن كثب في مواقف مختلفة تربطني ببحر حيفا من أبي نصور (الشاطئ الهادئ) إلى الشاطئ الأزرق بوّابة البحر في وادي الجمال إلى كفر سمير والعزيزية، وجميها امتداد لشاطئ عكا (في حيفا، شيمِن).
الطوابع البريديّة؛ رحلة البحر إلى العالم ورحلة الدول إلى اعماقها وتوثيق البلدان لأسماكها وكائناتها.
الكتاب رحلة بحريّة في الحب والحياة، في الطبيعة والأعماق، في الذات والأمل.
الجانب الشكليّ بحذ ذاته لغة ورسالة واللغة منسابة كانسياب موج البحر.
التداعيات الخاصّة التي يثيرها الكتاب تزاحم التداعيات العامّة لأبناء حوض المتوسّط عمومًا. وهنا يُطرح السؤال: كيف استطاع الكاتب بمهارة أن يبحر بنا إلى أعماقنا وأن يستنفر ذكرياتنا وحروفنا. كيف استطاع أن يفتح قنوات الذكريات لكتابات شبيهة قد تشكّل معًا ذاكرة بحريّة جمعيّة غنيّة تمتاز بأصالة ما كتب وصدق ما وصف وحقيقة ما شعر.
مبارك الإصدار ونحو إصدارات أخرى.