د. رنا صبح: تأمّلات في رواية محنة المهبولين للأديب باسم خندقجي

د. رنا صبح
رواية محنة المهبولين (2021) تُمثّل علامة فارقة في مسار السرد الفلسطيني المعاصر، ليس فقط لأنها كُتبت من وراء قضبان الأسر، بل لأنها اشتبكت مع التراث الروائي العالمي، وأعادت إنتاجه في أفق عبثي، حيث يتجاور الواقع بالفانتازيا، والتاريخ بالأسطورة، والفردي بالجماعي الإنساني. فباسم خندقجي استطاع أن يجعل من الكتابة حقلًا لعالم مُوازٍ، يواجه فيه أسئلة كبرى حول الهوية والانتماء والحرية والحبّ والتمرّد، مستخدمًا شخصية أنيس البيّارتي ليختصر في محنته محنةَ جيل بأسره.
أوّلا: أنيس البيّارتي: بين البرتقال والزيتون
يُفتتح النص بحكاية أنيس البيّارتي، ابن يافا، الفتى الذي تشربت روحه عبق البرتقال ونما قلبه في ظلال البيارات، ونشأ في كنف أبيه العامل العصامي. لكن أنيس، على صغر سنه، كان قد اختطّ لنفسه دربًا آخر، دربًا يبدأ وينتهي عند مريم، ابنة سمير الإقطاعي العاتي، سيّد سوق المدينة وصديق نائب القنصل الفرنسي. ومنذ أن تفتّحت عيناه، كانت مريم له الحلم والملاذ، والبرتقالة التي لا تشبهها برتقالة.
منذ اللحظة الأولى، يُوضع القارئ أمام صراع طبقي وعاطفي مركّب: ابن العامل الذي يجرؤ على عشق ابنة السيّد. لكنّ الرواية لا تكتفي بهذا التصادم الكلاسيكي، بل تنسجه في إطارٍ أوسع يربط بين البرتقال – رمز يافا وخصبها – وبين الحرمان والانكسار.
ورغم أنّ أباه عمل أجيرًا في بيارات الإقطاعي، إلا أنه استطاع أن يدخر من عرق جبينه ما مكّنه من شراء بيارتين من أطيب بيارات يافا، فحافظ على شيء من الكرامة وسط هيمنة الأسياد. غير أنّ تلك الكرامة كانت تهتزّ أمام جورج، ابن الإقطاعي المدلل، الذي امتلأ قلبه كرهًا لأنيس، لأنه تجرأ على النظر إلى أخته مريم، بل وتطاول على مكانته. كانت لقاءات أنيس ومريم في البيارة تنسج حكاية سرّية من ضحكٍ وهمسٍ ورطنٍ بالفرنسية، فيزداد حب أنيس لها رسوخًا كما يزداد جورج غيظًا. وحين تصاعدت المواجهات، لم يتردد أنيس أن يشهر خنجره في وجه جورج ذات مرة، ما جعل الحقد يتأجج أكثر في صدره. أما الأب، فقد رأى في فعل ابنه دليل “هبل” مدمّر، فوبخه محذرًا من بطش الإقطاعي، الذي قد يمنع عنهم تصدير البرتقال إن أراد.
كان أنيس شديد التعلق بالبيارات، بالبرتقال، وبمريم التي كان يراها “برتقانته”. كل برتقالةٍ تشبه ملامحها.. لكنّ روحّه كانت متمردة، نافرة من القيود والجدران، عاشقة للحرية حتى الجنون. وحتى حصانه “لؤلؤ”، كان مرآته التي يفرغ فيها عاطفته، ويرى فيها تقلبات مزاجه..
لكنّ القدر كان أعتى منه. فقد تزوجت مريم مرغمة، نزولًا عند رغبة أبيها وأخيها جورج، من ابن ثريّ فرنسي نافذ، ورحلت إلى باريس. حاول أنيس أن يسند انكساره بالأغاني، بالسهر، بالخمر، بمواويل الحزن، غير أن وجعه ظلّ عصيًّا على التداوي. وحين رفض كل محاولات أهله لإقناعه بالزواج، صفعه أبوه بعنف، يريد أن يوقظه من “هبله”، وأن يرده إلى صراط العقل.
عندما تُفقد مريم وتُساق إلى باريس، يتفتت أنيس داخليًا: فالبحر الذي كان نافذته على العالم يتحوّل إلى عدوّه، لأنه ابتلع حبيبته. هنا تتواصل رحلة “الهبل”؛ فالشاب العشريني، المتمرّد، الثائر، يرفض أن يتأقلم مع واقعه أو أن ينسجم مع توقعات عائلته. وما كان رفضه للزواج ورفضه للتسويات الاجتماعية إلا تعبيرًا عن بحثه الدائم عن “المطلق” في الحب والحرية.
وفي خضم هذا التيه، وجد أنيس ملاذًا في صديقه الفرنسي أنطوان، التاجر الذي اعتاد زيارة يافا والإقامة في الخان. صداقة شدّها موقف بطولي، حين أنقذ أنيس أنطوان من قطّاع طرق أرادوا نهبه. ومنذها صار أنطوان له رفيقًا وسندًا.
وذات مساء، ارتدى أنيس بدلته، ومضى مع أنطوان إلى أحد الخانات التي يعمّرها لهوُ الراقصات القادمات من مصر. كان الليل مترعًا بالغناء، بالرقص، بالضحكات المتكسّرة. وهناك تعرّف إلى راقصة شابة، راقصها ثم استسلم معها لعلاقة عابرة. عاد بعدها إلى الخان مثقلًا بعبثٍ جديد.
لكن الصباح حمل له لعنةً لم يتوقعها. إذ باغته أخوه في البيارة محذرًا: السلطات تتهمه بقتل تلك الغازية التي عانقها ليلًا، وقد وُجدت مقتولة في الترعة. وشهادة إحدى الراقصات، أكدت أنه كان آخر من رآها حيّة. أنيس، الواثق ببراءته، راهن على أن أباه سيصدّقه وأن أنطوان سيشهد لصالحه، لكن السلطات لم تُعره أذنًا صاغية. لم يجد أمامه إلا الهرب، ففرّ إلى رام الله، إلى بيت خالته مارية، زوجة سعادة صاحب الأراضي والأملاك، التي كانت تتهيأ لتزويج وحيدها.
استقبلته خالته بحفاوة، فيما نظر إليه زوجها بعينٍ متوجسة. عاش بينهم شهرين أو يزيد، تعلّم خلالهما طقوس جمع الزيتون، ومشى معهم إلى المعصرة، ورأى كيف يتقاسم الناس الأعباء في موسم القطاف. كان الزيتون مرهمًا على جرحه، لكنه لم يكن بديلًا عن البرتقال ولا عن مريم.
وحين انقضى الموسم، حدّث نفسه بالعودة إلى يافا، مؤملًا أن تنجلي الحقيقة ويبرئ نفسه. لكن أخاه التقاه وحثه على البقاء. عندها أطلق أنيس عبارته التي ستظل كجرسٍ يرن في فضاء الرواية:
“سنزرع زيتونًا بدلًا من البرتقال.”
وعندما يقول لأخيه ذلك يكون قد انزاح من رمزية المكان الأول (يافا – البرتقال) إلى المكان الثاني (رام الله – الزيتون). إنها إزاحة دلالية تشير إلى تحوّل هويته، من هوية منفتحة على البحر والتجارة والعالم، إلى هوية متجذرة في الأرض والزمن الطويل.
ثيمة “الهبل”: حين يتحوّل العبث إلى جوهر الوجود
الهبل، أو الجنون، ليس عرَضًا في الرواية بل هو بنيتها الجوهرية. يُتهم أنيس بالهبل منذ لحظة صراخه في وجه جورج ابن الإقطاعيّ سمير ورفعه الخنجر في وجهه. إذ يرى فيه أبوه “مخبولًا”، والمجتمع ينظر إليه كمهووس، وهو نفسه يعي أن الحب الذي يتشبث به هو حبّ “مستحيل”. لكن الهبل هنا ليس مرضًا نفسيًا، بل هو موقف وجودي يعبّر عن رفض الامتثال للقوالب والقواعد الجاهزة.
كان أنيس مثقلًا بالوجع، مستندًا إلى حلمه الوحيد: أن يعثر على مريم، حبّه الأوّل والوحيد، علّه يجد في وجهها خلاصًا من غربته وهبله المتفاقم. فقصد صديقه أنطوان، ورجاه أن يساعده على الرحيل إلى باريس، مدينة النور كما يسمّونها، المدينة التي قد تحمل في أزقتها الملتوية أثر مريم. ورغم امتعاض أنطوان من نزق صديقه، دبّر له خطة جريئة: أن يهرب متخفّيًا في صندوق على متن سفينة الحجاج.
في باريس، يتسع مفهوم الهبل حيث يلتقي أنيس مهجة الباحث عن المخطوطات المدفونة منذ ستة قرون، وفرانكشتاين الخارج من رواية كتبتها الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي منذ عام1818، وتروي قصة فيكتور فرانكنشتاين الذي ينحدر من عائلة غنيّة، ويرغب في اكتشاف إكسير الحياة الذي يبقيه حيًّا للأبد، ويرغب بخلق إنسان، فينعزل لمدة طويلة عن عائلته وأصدقائه ، ثمّ يلتقي بجان فالجان العائد من رواية “البؤساء” لفكتور هوغو، ثمّ بمدام بوفاري التي خرجت من رواية الكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير الصادرة عام 1857، وتدور حول “إيما بوفاري” وهي زوجة طبيب ريفي، تشعر بالملل من حياتها الرتيبة وتتوق إلى حياة رومانسية وحب مشتعل، فتقع في علاقات غرامية منفتحة على العالم الخارجي وتغرق في واقع مأساوي. هؤلاء جميعًا ليسوا مجرد شخصيات عابرة، بل هم “المهبولون” الذين يشكّلون قافلة العبث. إنهم مرايا مختلفة لذات أنيس، وشظايا لوجوده الممزق.
الهبل، إذن في الرواية، يصبح فلسفة مقاومة للواقع: كأن تتشبث بالوهم ضد المعقول، وأن تحيا بالخيال ضد القسوة، وأن تصنع من الحلم – مهما كان مستحيلًا – معنًى يعاند الفناء.
ثالثًا: الزمان والمكان: جدلية البرتقال والزيتون
الرواية تتحرك بين ثلاثة فضاءات كبرى:
يافا: فضاء الطفولة والبرتقال والحبّ الأول. مدينة البحر التي تنفتح على العالم لكنها تنغلق في وجه أنيس. وهنا يتأسس الجرح الأول.
رام الله: فضاء الزيتون، حيث يعيش أنيس تجربة مؤقتة من الانتماء العائلي، ويكتشف قيمة العمل الجماعي، لكنه يظل غريبًا عن روح المكان. ليكون الزيتون بالنسبة له “مرهمًا للجراح” لكنه ليس شفاء.
وباريس: حين وصل أنيس إلى باريس، وجدها حيزًا مختلفًا عن يافا ورام الله والبحر. فباريس ثائرة، حيث الغرب قصور وحدائق، والشرق بؤس وجوع. حيث الشوارع تضجّ بالهتافات المطالبة بالحرية، والديمقراطية تقارع الملك. لم يجد أنيس في بيت أنطوان مأوى، إذ رفضته زوجة أبيه، فأُودعه في نزل قديم لجده. وهناك التقى ثلاثة طلاب مصريين؛ كان أحدهم رقيقًا لطيفًا، واسمه مهجة، يسخر منه زميلاه لأنّه يأنف ارتياد مواخير السهر. رأى أنيس فيه مرآةً لهبله هو، فحماه.
وحين باح مهجة بسرّ رحلته، كشف أنه جاء يبحث عن كتب عربية مدفونة منذ ستة قرون في مكتبة قصر فرساي، خطّها الأجداد يوم كانت المعرفة رهانًا على الخلود. كان طلب شيخه هذا ضربًا من الهبل، لكنه جذب أنيس الذي كان يرى في العبث قدرًا لا مهرب منه.
وفي إحدى نزهاتهما، وجدا نفسيهما وسط حشود الثوار. احتميا في مزبلة، فإذا برجل غريب الملامح، نتن الرائحة، يخرج من تحت القاذورات. كان فرانكشتاين، الهارب من رواية أخرى، يقتات على الكتب والصحف. ومن شهامة أنيس وهبله، اصطحبه معهما، وأعطاه غرفة ليبيت فيها رغم أنه لا ينام.
لكن قلب أنيس لم ينسَ مريم. بعث أنطوان صديقه للبحث عن أثرها، فعاد بنبأ عن مكانها. أصرّ أنيس أن يرافقه مهجة وفرانكشتاين، رغم اعتراض ماريان، حبيبة أنطوان. وفي الطريق اصطدمت عربتهم بالمظاهرات والنيران، فعادوا بخيبة، لتبدأ الرحلة العبثية من جديد.
وفي محاولة أخرى، التحق بهم رجل غريب ساعدهم في رفع عربتهم بعصاه حين علقت في حفرة، فإذا به جان فالجان، بطل “البؤساء”. ومن جديد، وسّع أنيس قافلته من المهبولين. ثم، على قارعة طريق، كادت العربة أن تدهس امرأة ملقاة أرضًا؛ فإذا بها مدام بوفاري، المتمرّدة الباحثة عن الحب. رقّ لها قلب أنيس، فاصطحبها أيضًا، وبدأت محاولاتها لإغوائه.
مضوا جميعًا إلى قصر فرساي متنكرين، حيث أقيم حفل تنكّر، ولسخرية الاقدار كان تنكرهم جزء من حقيقتهم. هناك، بين أروقة القصر الفخم، نجح مهجة في العثور على المخطوطات الموعودة، فكان أول المهبولين الذين أنجزوا هدفًا، وأثبتت الرحلة أن للهبل ثمرة أحيانًا.
لكن باريس لم تكفّ عن العبث معهم. إذ طاردهم شرطي كان يلاحق جان فالجان، فاندسّوا بين صفوف الثوار، فيما خسر أنطوان ماريان إلى الأبد. وفي يوم آخر، بلغوا أخيرًا بيت مريم. هناك انتظروا خروج عربة، فإذا بداخلها امرأة برفقة رجل عجوز. هاجمتها مدام بوفاري، ظنًّا أن هذه المرأة معشوقة انيس. أما العجوز فأجاب أنه لا يعرف مريم، لكنّه كشف أن زوجة ابنه، ماري، التي قدمت من مصر، ترمت باريس وعادت إلى الشرق لأنها لم تحتمل حياة لا تشبه روحها.
لتتحول باريس إلى فضاء العبث، جيث يبلغ الهبل ذروته وتتداخل الثورات الشعبية مع التناصّ الأدبي، وتتحول المدينة إلى مسرح للحلم والهذيان.
أما الزمن في الرواية فيتشظّى. لا يسير خطيًا، بل يتوزّع بين ماضٍ يستعاد (يافا ومريم)، وحاضرٍ مطارَد (رام الله والاتهام بالقتل)، ومستقبل مؤجل (باريس والبحث عن مريم). هذا التشظي الزمني يعكس ضياع أنيس، ويجعل القارئ يعيش معه حالة “اللازمن”، حيث كل اللحظات تنصهر في محنة واحدة: محنة الهبل.
رابعًا: التناص الأدبي: من فرانكشتاين إلى مدام بوفاري
إنّ أحد أبرز إنجازات الرواية هو إدماجها لشخصيات روائية عالميّة ضمن مسارها السردي. أنيس لا يلتقي فقط مهجة المصري، بل يضم إلى قافلته فرانكشتاين، جان فالجان، مدام بوفاري. هذه الشخصيات تنتمي إلى نصوص مختلفة (شيلي، هوغو، فلوبير)، لكنها تُستعاد في فضاء عبثي واحد.
هنا يستخدم خندقجي تقنية “التناص”، لكن ليس كتزيين ثقافي، بل كتقنية نقديّة. فأنيس، الفلسطيني المهووس بحبّه المستحيل، يتقاطع مع مدام بوفاري التي سقطت في فخّ الرومانسية، ومع جان فالجان الخارج من السجن حاملًا عبء الذنب، ومع فرانكشتاين المسخ الذي يقتات على القمامة. كلّ هؤلاء “المهمشين” في نصوصهم الأصلية، يجدون في رواية محنة المهبولين ملاذًا جديدًا.
خامسًا رمزية الصندوق والبرتقالة
الرمزين المركزيين في الرواية هما الصندوق والبرتقالة.
الصندوق: يتحول إلى فضاء للحياة والموت. يهرب أنيس في صندوق، يحكي للصندوق، يعود في النهاية بصناديق. الصندوق هنا رمز للاحتجاز والكتابة معًا. وكأن خندقجي – الأسير الكاتب – يستعير الصندوق كمرآة لواقعه: السجن مكان مغلق، لكنه أيضًا فضاء للحكاية. ففي عرض البحر، لم يجد انيس ملاذا من غربته سوى الحديث إلى الصندوق، كأنما هو صديقه ورفيقه وذاكرته. صار يحكي للصندوق قصته، حتى تحوّلت حياته كلها إلى صناديق: صندوق للهرب، صندوق للحكاية، وصندوق للمشاعر التي تتناوب بين حبّ وشوق وكره وحقد وهبل. ولم يبقِ له عقله إلا برتقالاته الثلاث، احتفظ بواحدة منها أملًا أن يقدّمها لها يومًا.
أمّا البرتقالة فتمثل مريم والحب والوطن. البرتقالة الأخيرة التي يحتفظ بها أنيس لتقديمها لمريم تتعفن في النهاية، كإشارة إلى موت الحلم، أو إلى عبثيته.
وبين الصندوق والبرتقالة، تتوزع رحلة أنيس: من الفضاء المفتوح (يافا/مريم) إلى الفضاء المغلق (السجن/الصندوق)، من الوفرة (البرتقال) إلى الفقد (التعفن). فقد أدرك أنيس الحقيقة متأخرًا: أن مريم لم تعد في باريس. فقد مدّ يده إلى برتقالته الأخيرة المعدة لها فإذا بها قد تعفّنت. ضحك من عبثه، وقرر أن يعود إلى يافا كما جاء، في صندوق، لكن هذه المرة ليس وحده؛ بل برفقة أربعة صناديق، لأن المهبولين، مثله، لا مكان لهم على الأرض إلا في عبث الرحلة وصناديق الحكايات.
سادسًا النهاية عبث مفتوح
هنا تتجلى ذروة الرواية: الهبل ليس مجرد محنة، بل هو قدر. أنيس لا يعود إلى يافا منتصرًا ولا مهزومًا، بل يعود “محمولًا بالصناديق”. كأنما الرواية تقول: المصير الإنساني محكوم بالتيه، لكن في هذا التيه يكمن معنى الحرية.
سابعًا الخاتمة: خندقجي والكتابة – تقنيّة تحرر
في النهاية، يمكن القول إن محنة المهبولين ليست مجرد رواية عن شاب فلسطيني مهووس بحبّه، بل هي ملحمة عن معنى أن تكون إنسانًا محكومًا بالموت والحرمان، ومع ذلك تصرّ على أن تحلم. باسم خندقجي، وهو يكتب من زنزانته، لم يؤلف رواية عبثية بقدر ما ابتكر “ما ورائية للهبل أو ميتافيزقيا الهبل” كفلسفة للحياة ضد القمع، ومن أجل للحرية.
إن أنيس البيّارتي، بحبّه المستحيل وهبله العنيد، ليس شخصية فردية بل استعارة جماعية، تختزل مأساة عبث الوجود البشري.
تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.