د. خالد تركي: نافِذَتي تُطِلُّ على رواية “ممرَّاتٌ هشَّةٌ”

د. خالد تركي

نافِذَتي تُطِلُّ على رواية “ممرَّاتٌ هشَّةٌ”

يقول ابن كرمل فلسطين الكاتب سلمان ناطور: ستأكُلُنا الضِّباعُ إن بقَينا بلا ذاكِرة..

كنتُ قد كتبتُ في الحلقة الأولى من كتابي “حيفا في ذاكرة برهوم، كي لا تُنسى” عن ذَاكرة والدي أَبو خالد:” قبل أن تخونَه الذَّاكرةُ، الخؤونة، كعادتها مع أبناء وبنات آدم، من المتقدِّمين في السِّنِّ، ويذهب كلُّ ما في مخزونه العلويِّ من ذكريات وأحداث عاشها وعايشها أدراج الرِّياح وأَندمُ، ساعة لا ينفعني النَّدم، على ما كان باستطاعتي عمله معه ولم انفِّذه، لأنَّه حينها لن تُفيدَني حسرةٌ ولا لوعةٌ، ولن اسامح نفسي على ذلك، وسأقعُ ما بين كرٍّ وفرٍّ بين الأمنية وتحقيقها، وما بين الرَّغبة والخيبة والهيبة والإثبات، مجدِّدًا، بديهيَّة وجودنا على هذه الأرض التي ليس لنا سواها، ولا نريد سواها ولا نُفكِّر في أيِّ وطنٍ بديلٍ سواه، لذلك فنحن لن نرحل، حتَّى لو كُتِب لنا ذلك، لن نرحل عن “سيِّدة الأرض” لأنَّها “أمُّ البدايات أمُّ النِّهايات”(ص 15)..

تبدأ رواية الكاتب عاطف أّبو سيف، “ممرَّاتٌ هشَّةٌ”، بجملة تُخبرنا فيها عن خطبٍ جللٍ، مكروهٍ،  هو موت زهدي “مات زُهدي. نعم مات فعلاً” (ص 7).

بدأت الرِّواية بالموت، بالحقِّ، بالمكروهِ، فالحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه، لأَنَّ الموت يُدركك حتى لو كنتَ في برجك العاجيِّ، في السَّماء السَّابعة، محاطًا بحمايةٍ قويَّةٍ وعظيمةٍ، فالموت هو اليوم

الذي قُدِّر لك أن يُدركك، وهو اليوم الذي كتبه الله لكَ، لا مهربٌ منه، فهو قدرُك لا مفرٌّ منه “..وَإِذا قُدِّرَ لا يُنجي الحَذَر”، لأَنَّه مكتوب عليك أّن تموتَ..

زهدي من مواليد يافا نزح مع عائلته بعد سقوط يافا إلى المخيَّم أَمَّا زوجته هدى فهي أَيضًا من مواليد عكَّا/يافا نزحت مع عائلتها من ياقفا وتشتَّت العائلة بين شمال الوطن وجنوبه، أَمَّا عائلتها المصغَّرة فقد إستقرَّت في المخيَّم جنوبًا..

“بعد النَّكبة توزَّعت العائلة بين شمالٍ وجنوبٍ وبين حدودٍ وحدودٍ والرِّيح التي رمت البلادَ بعصفِها، بعثَرت الأحلام والأمنيات”(ص 34).

سأَل زهدي والدَه “ليش سِبنا الدَّار في يافا” وكانت الإجابة هي هي دون تغيير في النَّصِّ “العصابات قتلت كلَّ سكَّان الشَّارع”(ص 67). وأَّفراد عائلته نجَوا من القتل والذَّبح والموت وعمليات السَّبي والإبادة، ومن بقي على قيد الحياة لجأ جنوبًا أَو شمالاً، شرقًا أَو غربًا، “بل إنَّ نجاتهما من المذابح والتَّطهير العرقيِّ التي قامت بها العصابات، إبَّان النَّكبة عام أَلفٍ وتسعمائة وثمانيةٍ وأَربعين تلك النَّجاة هي ما استدعت الحاجة لوجود المخيَّم”(ص 38)، فلو لم تكن النَّكبة لما توزَّعت المخيَّمات في الأقطار العربيَّة الشَّقيقة المجاورة..

فقد نزحوا بحرًا من ميناء يافا على ظهر قاربٍ مهترئٍ متآكلٍ متهالكٍ نحو الجنوب، تركت العائلة باب البيت مفتوحًا ونوافذَه مشرَّعةً على أمل العودة، “ظلَّ القاربُ يُصارع الغرق لينجو”(ص 107).

“مات والدها وماتت والدتها ووصلت أَخبارٌ عن وفاة الكثير من أَفراد العائلة في أَماكن أُخرى واستمرَّت الحياة..”(ص 34)، لأّنَّ الحياة أَقوى من الموت، فالموت مكروهٌ ومحمودٌ، والحياة أَملٌ لا يموت، وهو آخر ما يموت في الإنسان أَو في الحياة، لأنَّها تنتقل من جيلٍ إلى جيلٍ كذلك الموت، فالحياة والموت ضدَّان يجتمعان في بيتٍ واحدٍ، ولا تكتملُ الحياة دون موتٍ ولا موتٌ دون حياةٍ، هما البداية والنَّهاية فلا بدايةٌ دون نهايةٍ ولا نهايةٌ دون بدايةٍ، فتبدأ الحياة في رحم الأمِّ وتنتهي في رحم الأرض، فالأرض أُمٌّ تحضن أَبناءها وبناتها وتحفظهم في رحمهما، والإنسان ينتقلُ من رحمٍ إلى رحمٍ، “الحياةُ هي هبةُ السَّماء، هديَّةٌ لا يمكن ردَّها”(ص 47)..

الحياة والموت هما وحدةٌ واحدةٌ لا انفصام بينهما، وحدةُ الأضَّداد..

﴿..يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ..﴾..

وهنا يحضُرني ما كتبه المؤرِّخ العظيم مصطفى مراد الدَّبَّاغ، ابن يافا،  في موسوعته “بلادُنا فلسطين” الجزء الأَوَّل القسم الجغرافيِّ، عن نزوحه من يافا بحرًا على ظهر سفينةٍ في أَواخر شهرِ نيسان عام النَّكبة وسقوط حيِّ المنشيَّة، حيث كان البحر هائجًا غاضِبًا على سقوط يافا والنُّزوح، كان الطَّقس هائجًا عاتيًا، وكان المطر يهطل بكثافةٍ وغزارة شديدةٍ والجوُّ تملأه الرُّعود القواصف والعواصف الرَّعديَّة الشِّديدة، كان صوت ربَّان السفينة عاليًا جهورًا، مطالبًا ركَّابها أَن يخفِّفوا من وزنِ أَحمالهم ليُسهِّل على السَّفينة الإبحار كي تمخرَ عباب اليَمِّ بهدوء إلى شاطئ الأَمان: “احتضنتُ حقيبتي التي فيها كتابي، ولكنَّ يدَ بحَّار قويَّة، تساعدُهُ موجةٌ دخلت ظهر السَّفينة، انتزعت الحقيبة وقذفتها إلى الماء. وهكذا ضاع الكتاب..” (ص 8)، وهكذا ضاع الوطن وسقطت بلادي كما سقطت حقيبة المؤرِّخ مصطفى الدَّبَّاغ إلى قعر البحر، لكنَّه أَعاد كتابة موسوعته في حلَّةٍ قشيبةٍ، في أَحد عشر مجلَّدًا..

مات زهدي لكنَّ زوجته هدى لم تسامحه في موتهِ البتَّة، لم ولن تغفر له موتَه، فليس من حقِّه أّن يموت دون إخبارها، لن تسامحه على فعلتِهِ المُشينة، وكأَنَّه كان على درايةٍ بموتِهِ، وأَخفى عنها السِّرَّ، ففي الرِّواية وعلى طول صفحات الرِّواية  كانت تعاتبه على موته، دون استكانةٍ، فكيف يموت دون أَن يودِّعها ودون أّن يُعلمها أّنَّه سوف يموت، بعد لحظات من خروجه من البيت،  كان عليه أّن يُقبَّل جبينَها قبل أَّن يموت، أَن يطرح عليها سلام الوداع حين خرج من البيت، ولم يُخبرها أّنَّه لن يعود، لقد تعوَّدت عليه أَنَّه حين كان يخرج من البيت كان يسأَلها عن منظره وهندامه وعطرِه، يسألها دومًا قبل خروجه من البيت “يقف يسأَلها عن عطره ولباسِهِ، يقف معها أَمام المرآة كأَنَّهما للتَّوِّ اكتشفا أَنَّهما متزوِّجان”(ص 72)، أّمَّا الآن فقد خرج دون أّن ينبس ببنت شفة، “لم يُشعرها بخروجِهِ”، “الشَّيئ المفقود في كلِّ ذلك هو إِخباره لها بخروجِهِ”، “أَين يمكن أَن يكون قد ذَهَبَ” (ص 65)، “كيف مات؟”(ص 16)، وكانت متأَكِّدةً أَنَّه كان يعرف أَنه سوف يموت فلماذا لم يودِّعها، لماذا لم يُقبِّلها قبل خروجه من البيت، فكان تصرُّفه غريبًا على غير عادته، الآن أَصبحت وحيدة، خاصَّةً بعد موت زوجها وبعد زواج أَبنائها وخروجهم من بيت والديهم، فبارك الله البيتَ الذي يخرج منه بيتٌ، فكيف لو يخرج منه البيوت، فهو مبارك أَلف مرَّةٍ، لكنَّ زهدي خرج من البيت دون أَن يُعلمها أَنَّه سوف يموت، أَصبحت وحدها في البيت لن تسامحَه، ولم تُسامحْه بموته، لماذا لم يُخبرها ولماذا لم يُحضِّرها بأَنَّه سوف يموت، سوف يرحل دون عودةٍ ودون لقاءٍ، لكنَّه لا أَحدٌ يعرف متى ستأَتي ساعتُه وأين ستأتيه المنيَّة والمنون، ﴿..وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذا تَكْسبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ..﴾،الموت يأتي دومًا على حين غرِّة، غيلةً وغدرًا..

مات زهدي، ابن الشهيد الذي جاهد في الدِّفاع عن يافا، في بقَّالة المخيَّم، وتردَّد جميعُ من كان هناك بالذِّهاب إلى هدى لإخبارها بنبأ الوفاة، حيث اختاروا الجار الشَّاب كي ينقل لها الخبر وذلك لأنَّه أقرب جارٍ عليها سكنًا، لا أَدري لماذا خافوا من نقل الخبر إِليها، أَيمكنُ لأنَّ هيبتها ما زالت معها لأَنَّها ناظرة، مديرة مدرسة أّم أَنَّه لكونها كانت حازمة وشديدة وقديرة في أُمور الدِّراسة والتَّربية والتَّعليم وإدارة المدرسة، فهابها طلابُها وخرِّيجوها..

لقد استقبلت النَّبأ ورفضت أَن تُصدِّق الوفاة وذلك لأنَّه لم يُعلِمها بأَنَّه سوف يموت، الأَمر الذي لن ولم تغفر له على فعلتِه السَّيِّئة، أّن يموت ويتركها لوحدها، دون إعلامها، لأَنَّه كان يُعلِمها بكلِّ شاردةٍ وواردةٍ..

رحل عنها غيلةً..

لقد أَصبحت العلاقة بين هدى والجار الشَّاب علاقةً قويَّةً ومتينةً، حيث فُتحت القلوب على مصراعَيها لبعضهما البعض وتحرَّرت الأسرار من أَسرها “فكَّرت في هذا الشَّاب الأربعينيِّ الذي صار وجودُه في حياتها فجأَةً ضرورة بلا سببٍ، وبات يتلو عليها حكمًا عميقةً عن الحياة.”(ص 221). “الشُّعور بالوحدةِ يقتل..”(ص 223)..

بعد وفاة زهدي وجدت هدى ابنة الثَّمانين أَو يزيد، في الجار الشَّاب، ابن الأربعين، وَنسًا جميلاً وجليسًا عزيزًا وخليلاً أّديبًا ومواسىٍ ومعزٍ، كذلك الجار الشَّاب وجد فيها بئرًا لأّسراره، وكرسيَّ اعترافه، فكانت تشكو له همومها وشعورها وإِحساسها وكيف تعرَّفت على زهدي في جامعة القاهرة، وكذلك كيف الجار الشَّاب تعرَّف على ياسمين خلال دراستهما في جامعة نابولي وقضى معها سنتين، ومن بعدها ذهب كلٌّ في طريقه وبقيت قصَّة حبِّهما وإخلاصهما في قلوبهما مطمورةً، دون أَملٍ في قرانهما..

فبعد أَن تقدَّم الجار الشَّاب لطلب يدها، رُفض طلبه بفظاظةٍ وقلَّة أّدبٍ، حيث قال له والدها “لمَّا تشوف حلمة دانك بزَوجَك إِيَّاها”(ص 83)، أصبحت ياسمين طبيبةً تعالج والد الجار الشَّاب ولم تتزوَّج، والجار الشَّاب فضَّل صيد السَّمك والتِّجارة على شهادته الجامعيَّة في علم الاجتماع، بعد أَن لم يجد وظيفةً، ولم يتزوَّج، واستمرَّ في لوم ياسمين أّنَّها لم تصارحه ولم تودِّعه بعد تخرُّجه وعودته إلى البلاد، ولم تتحدَّ والدها، الرَّجل ذو الكرش البرميل، لكنَّ الجار الشَّاب لم يكن أيضًا بأَفضل منها، فهو أَيضًا لم يقو على مواجهة والدها ولم يقويا أَن يهربا معًا، لإيجاد حياة هادئة تليق بعشقهما وبإرادتهما..

“لم يتمكَّن من إيجاد وظيفةٍ فعاد إلى البحرِ يبحثُ فيه عن رزقِهِ”  (ص 41)  فوجد رزقَه في البحر، لأَنَّ البحر أّبو الفقراء والمحتاجين .

لقد أَحبَّته حبًّا حتَّى الثُّمالة، لكنَّها كانت تصطدم بصخرة والدها الصَّمَّاء العنيدة، وعقله المتحجِّر “أُريده. تُريدينه؟..غدًا تتزوَّجي من اللي أَحسن منه. ولكنِّي لا أُريد اللي أَحسن منه، بدِّي إِياه هو.”(ص 179)..

أَصبحت هدى مديرة لمدرسة البنات في المخيَّم، حيث كانت تُعرَّف وتُنادى بالنَّاظرة ومن بعدها السِّت، وحين تقدَّمت في سنِّها أَصبحوا ينادونها حجَّة هدى دون أّن تكون قد حجَّت إلى بيت الله الحرام في بلاد الحجاز، حتى أّنَّ منطقة سكناها أَصبحت معروفة بحارة النَّاظرة، حيث كانت أَوَّل من سكن في الحيِّ، إذ كان بيتها يقع في وسط غابةٍ من الأشجار..

عندنا في حيفا هناك مناطق تُعرَّف بأسماء ساكنيها أَو طابعها، ففي حيفا هناك بستان الشُّيوعيَّة، وطلعة الشَّلبي وساحة أَبو الكايد..

تركها زهدي بموته ولم يودِّعها، وتركته ياسمين بسبب خوفها من والدها ولم تودِّعه، حيث كانت بينهما قصَّة عشقٍ حال والدها، الرَّجل ذو الكرش البرميل، رجل السُّلطة دون أَن يتزوَّجا، وقد خاف الجار الشَّاب من أّن يواجه والدها كي لا ينتقم منه، لأَنَّه كان ذا سطوة، وممكن أّن ينتقم منه، فبعد أُوسلو، إدَّعى والدها أّنَّه كان مناضلاً وله باع طولى في النِّضال وقضى سنوات وسنوات في السُّجون ووجد في أّصحاب القرار آذانًا صاغية تدعمه، وأّصبح عضوًا في المجلس، “..يعيشُ في برجه العاجيِّ منذ أَن أّصبح مسؤولاً.”(ص 15)..

ما أَكثر المتسلِّقين والإنتهازيِّين والوصوليِّين، وما أَصعبها على شعبنا حين يكونون من أّصحاب القرار..

لقد اعتمد الكاتب العزيز على عدم ذكر أسماء بعض الشَّخصيَّات حتى

لا تكون الأسماء مطابقة لشخصيَّات حقيقيَّة، فاختار اسم الجار الشَّاب، والرَّجل ذو الكرش البرميل، الجارة الممطوطة الطُّول مثل سقالة البناء، الفتاة معدودة الزَّهرات في سلَّة الأربعينيَّات، أَضف إلى ذلك المخيَّم، الذي بقى هو الآخر دون اسمٍ، لكن على ما يبدو فإِنَّه من مخيَّمات قطاع غزَّة، حيث يمكننا تخيُّل أَيِّ شخصٍ من هذه الشَّخصيَّات مَن تكون ومَن له منهم تلك المواصفات والصِّفات..

لقد أَبدعَ الكاتب عاطف أَبو سيف وصفًا لطريق آلام شعبنا الفلسطينيِّ من سكَّان القطاع، المرضى منهم والمرافقين، في إصدار التَّصاريح للسَّفر من المخيَّم أَو من القطاع إلى المعبر والانتظار فيه حيث أّبرَزَ هناك سادية الجنود والحرَّاس وتفنُّنِهم في تعذيب العباد حتَّى لو كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، حتَّى شعرتُ نفسي أَقفُ معهم في طابور الانتظار، تتحكَّم فينا جنديَّةٌ شابَّةٌ جاهلةٌ ساديَّةٌ، تتلذَّذ في معاناة المرضى حتَّى وإن كان المريض فتىً صغيرًا..

الكثيرون ماتوا وهم ينتظرون صدور التَّصريح، ولم يتمكَّنوا من تلقِّي العلاج المناسب. “غزَّة ليست سجنًا كبيرًا ولا سجنًا صغيرًا إِنَّها ببساطةٍ سجن يستمتع السَّجَّان وهو يحرسُهُ يتغذَّى على عذاباتِ أَهله وهم محصورون في خزَّانٍ كبيرٍ..لا يستطيع أَحدٌ أَن يدخل أَو يخرج إلا عبر البوَّاباتِ الحديديَّة الضَّخمة..”(ص 147).

إِلى متى ستبقى معاناة شعبٍ أعزل، إلى متى سيبقى هذا الظُّلم والغبن والإهانة، قلبي مع المظلومين والمضطَّهدين، إلى أّن يُفكَّ أّسرهم إلى الحرِّيَّة المنشودة التي يتمنَّاها كلُّ شعبٍ..

الإحتلال إِلى زوال مهما طال الحال..

يصف الكاتب الحياة في خارج الوطن حين كانوا يسافرون طلبًا للعلم “لا حواجز ولا تفتيش ولا منع تجوال ولا منع سفر ولا موت صدفة برصاصة جنديٍّ ولا شيئ.”(ص 101)..

الحتميَّة التَّاريخيَّة أَكيدة مهما طال الزَّمان ومهما طال الإجحاف..

لقد حاولت هدى إصلاح ذات البين بين الدُّكتورة ياسمين والجار الشَّاب الصَّيَّاد، لكنَّ محاولاتها باءت بالفشل “بصراحة كنتُ أُفكِّر في الهروب معه في تحدِّي والدي، في الزَّواج به رغمًا عنه، لكنَّني في اللحظة الأخيرة أَحجمتُ. فكَّرت في عضلة قلبي الضَّعيفة التي لم يحتمل وجعها، وقلتُ إِنَّه سيتركني مثل علبة كوكاكولا فارغة على الرَّصيف إِذا أَصابني مكروهٌ”(ص 174)..

“كلُّ مرَّة أَراه فيها أَحسُّ أَنَّني أَراه أَوَّل مرَّةٍ، أَنَّني أَقع في غرامه من جديد”، “الحبُّ ماءٌ إِذا سال بالقلبِ أَعاد له الحياة” (ص 177)..

“نعم ما زال قلبي يخفقُ حين أُفكِّر فيه”(ص 179)..

لكنَّ تسلسل الأحداث أّثبتت أّنَّك مخطئة يا دكتورة، فما دام الأمر كذلك، كان حريٌّ بك يا دكتورة أَن تنتفضي على والدك وتنتصرين عليه..

إِنَّها العُقدة التي كان يجب أّن تُحلَّ، ما دام الحلُّ في إرادةِ وعزيمة قلبَي العاشقين الحبيبَين، كم تمنَّيتُ نهاية جميلة للعاشقَين، لكنَّ الظُّروف شاءت غير ذلك..

لقد جدَّت واجتهدت هدى في تقريب القلبين ليجتمعا في زواج يليق بحبِّهما “بدت هدى ثائرة وعنيفة في الحديث..عمومًا الحبُّ لا ينتهي من القلبِ إلا حين نموت”(ص 225).

“ثمة عجزٌ لا يمكنُ تجاوزه في العلاقة بين الجار الشَّاب وياسمين، عجزٌ يجعل استمرار العلاقة مستحيلاً أَو بحاجةٍ لإِرادةٍ غير متوفِّرة” (ص 175)..

لا تستطيع الدُّكتورة ياسمين الخروج عن طاعة والدِها، تُتابع هدى “صمتَت وبعد وقتٍ قالت الله وحده يعرف كم تُعاني مع والدها”(ص 227).

الإرادة تصنع أَعجب العجبِ..

فإن لم تكن لك عزيمةٌ أَو مشيئةٌ أّو إرادةٌ في إيجاد الحلِّ، مثلَ الرَّحى تدور حول نفسها هباءً دون هدفٍ ودون نتيجةٍ، إن لم نضع في فمها قمحًا لتطحنه، إن لم نُطعمها القمح لتطحنه..

إِن أَردتَ فأَنتَ قادر ، ﴿..إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِر..﴾..

“..الحبُّ أَن تحسَّ أَنَّ العالمَ ناقصٌ من دون حبيبكَ. الحبُّ الحقيقيُّ لا ينتهي.”(ص 201).

كي ننتصر ونحصل على ما نصبو إليه ونحقِّق آمالنا، علينا أّن نعمل على توسيع ممرَّاتنا وتقويتها ونحارب الهشاشة لتكون ممرَّات متينة ثابتة واسعة ومستقرَّة..

والحلُّ بأَيدينا..

ختامًا..

تبريكاتي القلبيَّة العطرة للكاتب الفلسطينيِّ عاطف أَبو سيف، وزير الثَّقافة الفلسطينيِّ، ابن مخيَّم جباليا، لعائلة لاجئة من يافا، بصدور ثمرة قلمه “ممرَّاتٌ هشَّةٌ”، وإلى مزيدٍ من العطاء الجميل والمُثمر والملتزم..

أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتابُ

ملحوظة: صدرت الرِّواية ” ممرَّتٌ هشَّةٌ” عام أَلفين وثلاثة وعشرين، عن دار الأهليَّة للنَّشر والتَّوزيع (عمَّان، الأردن)، من الحجم المتوسِّط، في مائتين وأَثنتي وثلاثين صفحة، حيث أَنَّ لوحة الغلاف الرائعة للفنَّان الفلسطينيِّ محمَّد صالح خليل بيوت، ابن مدينة الزَّرقاء، الأردن، لعائلة لاجئةٍ من قرية الولجة، التي تقع شمال غرب مدينة بيت لحم، تصميم الغلاف للفنَّان زهير أَبو شايب، من مواليد قرية دير الغصون قضاء مدينة طولكرم، أَمَّا الصَّفُّ الضَّوئيُّ فهو للفنَّانة إيمان زكريَّا خطَّاب ..

 

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

حسام أبو النّصر : فؤاد نقّارة، وصيّاد وصنارة.

حسام أبو النّصر فؤاد نقّارة، وصيّاد وصنارة رغم ظروف الحرب على غزة وهي الأولوية الآن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *