إياد خليليّة: فؤاد نقّارة.. إلى البحر يحملني

 

 

إياد خليليّة

فؤاد نقّارة.. إلى البحر يحملني

 

هذا المذهل الجميل، صاحب الابتسامة التي تخرج من القلب قبل الشفاه، فؤاد نقّارة، يحمل إليّ الشيء الأهم من كنوز جمال حيفا.

حيفا.. ويقف التعبير خجلاً من كلّ هذا الجمال..

فؤاد نقّارة، وهو علم من أعلام الثّقافة والأدب وزرقة بحر حيفا، وانعكاس لتلك البيئة الحاضنة بدفئها وأسرار جمالها.

منذ أيام أرسل لي بعض الكتب من إصداره الجديد الجميل “صيّاد.. سمكة وصنّارة”، المشترك مع دار الشّامل للنّشر والتّوزيع، التي أيضًا نعتز بها وباهتمامها بالأدب والأدباء.

رغم عطل مركبتي، وصلت بشغفي إلى سوبر ماركت العامر مشكورًا، على مفرق دير شرف، رغم أزمة السيارات هناك والوضع غير الأمن في الوقت الراهن، إلا أنني ذهبت مغامرًا بشغفي المسبق لقراءة هذا الجمال الذي كتبه صاحب الروح الجميلة.

تفاجأت بأناقة الكتاب وعناوينه، والصّور التي توثّق وتُجمّل محتواه. وجدت نفسي مبتسمًا رغم كدر الأحوال التي تعصف بي.

جمال الكتاب وزرقته، عكست روح فؤاد وجمال حكايا صنّارته، والأهمّ ابتسامته التي تدعوك للتّفاؤل، وإلقاء أعباء الحياة وتفاصيلها الرديئة جانبًا، لتتأمّل هذا الكتاب الذي يجذبك إليه جذبًا.

الألوان البحريّة التي تشبه المحتوى بصفاء اللّون وجمال الرّحلات التي لم أقرأها بعد.

اليوم استلمت مجموعة الكتب التي، إن شاء الله، سأوصلها لأصحابها، كما اعتدنا عليه مشكورًا بالإغداق والعطاء، بذوقه الرفيع والأنيق.

قرأت كعادتي ما كُتب على الغلاف الخارجيّ من تظهير يتصدّر البداية قبل المقدّمة، لتكون الأديبة الرّاقية صباح بشير، هي من تركت بصمتها بجمال مميّز أضافته إلى جمال الكتاب.

كتبت بعمق: “هو البحر، بفضائه الممتّدّ، تقف أمامه، تحدّق في زرقته الصّافية ومرآته المختالة، وحبو الموج على صفحته، تقف هناك وجها لوجه أمام ماء الحياة، وحياة الماء، أمام عمق لا قاع له وماء لا حدود له، فتغمرك نشوة المعرفة ويتصاعد في داخلك صهيل الحياة، كأنّما جواد جامح ينطلق من عقاله؛ ليركض في براريه دون قيود، وينشد لحن الحريّة والانطلاق”.

هو البحر، ما أعمق العبارة؛ كعمق البحر وعمق الكتاب، وتذوقه لروعة المشهد.

وتنهي بشير بعبارة مليئة بالتأمّل والأسرار والجمال والصّفاء “لتغدو حياتهم مسيرة من الاكتشاف والتعلّم”.

هكذا أنهت كلماتها بهذه العبارة المليئة بالحثّ على البحث والتأمّل والتعلّم، وإدراك أسرار البحر والجمال، وكما يقال بالعاميّة وللحقّ هو (كتاب متعوب عليه).

صباح بشير تضيف دائمًا على الجمال جمالًا.

استهلّ الكاتب المدهش تقديمه إلى كلّ من عشق هذا الغامض الأزرق المجنون الهادئ الحنون، المشاغب، الذي يتركك أحيانًا وللوهلة الأولى دون ذاكرة..

البحر، وما أدراك ما البحر، دون أن تفكّر بأيّ شيء، يسرق منك أناك، ويترككما منفصلين عن بعضكما في استراحة يصعب الحديث عنها.

كتب فؤاد في المقدّمة: من ينظر إلى صفحة البحر الهادئة، يرى فيها انعكاسا للسّماء، لكن.. من يجرؤ على الغوص في أعماقه، يكتشف عالما سحريّا لا مثيل له. منذ صغري، كنت من بين المولعين باستكشاف هذا العالم، ليغمرني سحر المخلوقات البحريّة؛ بألوانها المبهرة والمتنوعة.

وأنا أكتب: ما أغناني هذه اللّيلة بالطاقة التي تحملني، لتسرقني من صخب الحياة وإيقاعها المجنون؛ لأواصل شغفي وأغوص مع هذا الفؤاد الجميل، من الفاء إلى الدال، في بحره ورحلاته وصيده وسمكاته وصنّارته، التي يصيدنا جميعًا بجمال روحه كي نقرأه بحبّ..

لفتني الإهداء، يا لجمال وعذوبة المهدى إليه، الوفاء عملة نادرة جدًا جدًا.

فؤاد الجميل كان وفيًا ودودًا لمعلّمه الأوّل صاحب الفضل عليه، والده الذي علمه، وندعو له بطول العمر وتمام الصحة.

كتب فؤاد: “علّمني والدي فنّ الصيّد بصبر وحنان، شارحا لي أسرار البحر العجيبة، وكيفيّة قراءة طبيعته وفهمه، كان ينتظر بصبر لحظة سحب الصنّارة، مشاركا إيّايّ فرحة الصيّد عندما تثمر جهوده”.

كما كتب إهداء خاصّا لعشاق البحر، وأعود وأكرّر عبارة صباح “هو البحر”، وصمت يعانق جمال البحر وموجاته وأسراره، وصراخ الموجات الهاربة التي تحمل غضبه، ربما أو مضاجعة كلّ الأسرار التي تسكن فيه، وتضجّ فيه وتتعانق سرًا فيه وربما تبكي فيه!

كما يحمل الكتاب في ثناياه بطاقة شكر، ذوّاق هو فؤاد، ووفيّ لكل من يقف معه ويحبّه.

العناوين التي تسرقك من انشغالك لتقرأها: حكايات من شاطئ الصيّد، رحلة صيد عكّاوية، ثمّ صيّاد يحرج نفسه، مغامرة خطرة ودرس في الغرور، ودرس في الإهمال، ومن صندوق الذكريات يُخرج لنا الكاتب الرّائع شيئًا ممّا مرّ به من مواقف وأسماك بأنواعها.

لقد حملنا فؤاد عبر هذا الكتاب، من الجبال والقرى التي نسكن، إلى شاطئ البحر المتوسط، والحمد لله أنني كنت منذ أيام في حالة عشق مع البحر، حين زرت العقبة والبحر الميت، لم نتعانق كما أردت فقد خانني هناك الوقت.

تركت له وعدًا أن أعود وأكتب شيئًا على رماله، كي تمحوه الموجة وتبقى الذكرى وشيء من وفاء، لنتحدّث بصمت مفهوم ولغة الموج، بما لا نبوح به أو نكتبه أو ما يقال.

مبارك هذا الجمال…

سأغوص في كتابك صفحة صفحة، وسأقرأ ما بين سطورك، علّني أكتشف سرًا ما بحت به يومًا لموجة وشوشتني.

شكرًا من القلب على الإهداء، وعلى كلّ هذا العمل الرّائع، والتّوثيق المفيد للأجيال وللتاريخ، ولعشّاق البحر.

دوام الإبداع والعطاء والجمال أتمناه للكاتب، ومبارك عزيزي وصديقي الجميل فؤاد.

تعبّر هذه المواضيع المنشورة عن آراء كتّابها، وليس بالضّرورة عن رأي الموقع أو أي طرف آخر يرتبط به.

شاهد أيضاً

عدلة شدّاد خشيبون: فؤاد مفيد نقّارة في صيده وصنّارته

عدلة شدّاد خشيبون فؤاد مفيد نقّارة، في صيده وصنّارته صيّاد.. هو ذاك الذي يحمل بيده …

تعليق واحد

  1. اياد خليلية /جنين

    كتاب شيق ورائع ومليء بالأسرار والأخبار والأسماك والمواقف والذكريات ..دوام. الألق والإبداع لك صديقي الجميل القلب والروح فؤاد نقارة ولنادي حيفا وللست صباح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *